اللَّه تعالى بأنّه منكر وزور فحرمته شديدة، كما ترى. وبيّن كونه كذبًا وزورًا، بقوله: ﴿مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ﴾.
وأشار بقوله تعالى: ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾، أن من صدر منه منكر الظهار وزوره، إن تاب إلى اللَّه من ذلك توبة نصوحًا غفر له ذلك المنكر والزور وعفا عنه، فسبحانه ما أكرمه وما أحلمه.
المسألة الثانية : في بيان العود الذي رتّب اللَّه عليه الكفارة، في قوله: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا﴾، وإزالة إشكال في الآية.
اعلم أن هذه المسألة قد بيّناها في كتابنا "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب"، وسنذكر هنا كلامنا المذكور فيه تتميمًا للفائدة.
ففي "دفع إيهام الاضطراب"، ما نصّه: قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾، لا يخفى أن ترتيبه تعالى الكفارة بالعتق على الظهار والعود معًا يفهم منه أن الكفارة لا تلزم إلا بالظهار والعود معًا، وقوله تعالى: ﴿مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾ صريح في أن التكفير يلزم كونه من قبل العود إلى المسيس.
اعلم أوّلاً: أن ما رجحه ابن حزم من قول داود الظاهري، وحكاه ابن عبد البرّ عن بكير بن الأشجّ والفراء وفرقة من أهل الكلام، وقال به شعبة: من أن معنى: ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ هو عودهم إلى لفظ الظهار، فيكرّرونه مرة أخرى قول باطل، بدليل أن النبيّ ﷺ لم يستفصل المرأة التي نزلت فيها آية الظهار،
هل كرّر زوجها صيغة الظهار أو لا؟ وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في الأقوال، كما تقدّم مرارًا.
والتحقيق: أن الكفارة ومنع الجماع قبلها، لا يشترط فيهما تكرير صيغة الظهار، وما زعمه بعضهم أيضًا من أن الكلام فيه تقديم وتأخير، وتقديره: ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا﴾، سالمين من الإثم بسبب الكفارة غير صحيح أيضًا، لما تقرّر في الأصول من وجوب الحمل على بقاء الترتيب، إلا لدليل. وإليه الإشارة بقول صاحب "مراقي السعود" :
كذاك تريب لإيجاب العمل | بما له الرجحان مما يحتمل |