المنافع، والعور لا يمنع ذلك؛ ولأنه لا يضرّ بالعمل فأشبه قطع إحدى الأذنين، ويفارق العمى فإنه يضرّ بالعمل ضررًا بيّنًا ويمنع كثيرًا من الصنائع، ويذهب بمنفعة الجنس ويفارق قطع إحدى اليدين والرجلين، فإنه لا يعمل بإحداهما ما يعمل بهما، والأعور يدرك بإحدى العينين ما يدرك بهما.
وأمّا الأضحية والهدي، فإنه لا يمنع منهما مجرّد العور، وإنما يمنع انخساف العين وذهاب العضو المستطاب؛ ولأن الأضحية يمنع فيها قطع الأذن والقرن، والعتق لا يمنع فيه إلا ما يضرّ بالعمل، ويجزىء المقطوع الأذنين. وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي.
وقال مالك وزفر: لا يجزىء؛ لأنهما عضوان فيها الدية، فأشبها اليدين. ولنا أن قطعهما لا يضرّ بالعمل الضرر البيّن، فلم يمنع كنقص السمع، بخلاف اليدين، ويجزىء مقطوع الأنف لذلك، ويجزىء الأصمّ إذا فهم بالإشارة، والأخرس إذا فهمت إشارته وفهم الإشارة، وهذا مذهب الشافعي وأبي ثور.
وقال أصحاب الرأي: لا يجزىء؛ لأن منفعة الجنس ذاهبة، فأشبه زائل العقل، وهذا المنصوص عليه عن أحمد؛ لأن الخرس نقص كثير يمنع كثيرًا من الأحكام،
مثل القضاء والشهادة. أكثر الناس لا يفهم إشارته، فيتضرّر في ترك استعماله، وإن اجتمع الخرس والصمم. فقال القاضي: لا يجزىء، وهو قول بعض الشافعية لاجتماع النقصين فيه وذهاب منفعتي الجنس، ووجه الإجزاء أن الإشارة تقوم مقام الكلام في الإفهام، ويثبت في حقّه أكثر الأحكام فيجزىء؛ لأنه لا يضرّ بالعمل ولا بغيره.
وأمّا المريض، فإن كان مرجو البرء كالحمى وما أشبهها أجزأ في الكفارة، وإن كان غير مرجو الزوال لم يجز.
وأما نضو الخلق يعني النحيف المهزول خلقة، فإن كان يتمكن من العمل أجزأ، وإلا فلا. ويجزىء الأحمق وهو الذي يصنع الأشياء لغير فائدة، ويرى الخطأ صوابًا. وكذلك يجزىء من يخنق في بعض الأحيان، والخصي والمجبوب، والرتقاء، والكبير الذي يقدر على العمل؛ لأن ما لا يضرّ بالعمل لا يمنع تمليك العبد منافعه، وتكميل أحكامه، فيحصل الإجزاء به، كالسالم من العيوب"، انتهى من "المغني"، مع حذف يسير لا يضرّ بالمعنى.
ثم قال صاحب "المغني" :"ويجزىء عتق الجاني والمرهون وعتق المفلس عبده، إذا


الصفحة التالية
Icon