التتابع كالإفطار للسفر في أثناء صوم الكفارة، وكما لو كان ابتداء صومه الكفارة من شعبان، لأن شهره الثاني رمضان، وهو لا يمكن صومه عن الكفّارة، وكما لو ابتدأ الصوم في مدّة يدخل فيها يوم النحر أو يوم الفطر أو أيام التشريق، فإن التتابع ينقطع بذلك؛ لأنه قادر على التحرّز عن قطعه بما ذكر لقدرته على تأخير السفر عن الصوم كعكسه، ولقدرته أيضًا على الصوم في مدّة لا يتخلّلها رمضان، ولا العيدان، ولا أيام التشريق، كما لا يخفى. وإذا قطع التتابع بإفطار هو قادر على التحرّز عنه بما ذكر، فكونه يستأنف صوم الشهرين من جديد ظاهر؛ لقوله تعالى: ﴿فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ﴾، وقد ترك التتابع مع قدرته عليه، هذا هو الأظهر عندنا، والعلم عند اللَّه تعالى.
تنبيه
الأظهر : أنه إن وجب على النساء صوم يجب تتابعه لسبب اقتضى ذلك أن حكمهنّ في ذلك كما ذكرنا، فيعذرن في كل ما لا قدرة لهن على التحرّز عنه كالحيض، والمرض دون غيره كالإفطار للسفر والنفاس؛ لأن النفاس يمكن التحرّز عنه بالصوم قبله أو بعده، أمّا الحيض فلا يمكن التحرّز عنه في صوم شهرين أو شهر، لأن المرأة تحيض عادة في كل شهر، واللَّه تعالى أعلم.
الفرع التاسع : في حكم ما لو جامع المظاهر منها أو غيرها ليلاً، في أثناء صيام شهري الكفارة، وفي هذا الفرع تفصيل لأهل العلم.
اعلم أنه إن جامع في نهار صوم الكفارة عمدًا نقطع تتابع صومه إجماعًا، ولزمه استئناف الشهرين من جديد، وسواء في ذلك كانت الموطوءة هي المظاهر منها أو غيرها وهذا لا نزاع فيه، وكذلك لو أكل أو شرب عمدًا في نهار الصوم المذكور، وأمّا إن كان جماعه ليلاً في زمن صوم الكفارة، فإن كانت المرأة التي جامعها زوجة أخرى غير المظاهر منها، فإن ذلك لا يقطع التتابع؛ لأن وطء غير المظاهر منها ليلاً زمن الصوم مباح له شرعًا، ولا يخلّ بتتابع الصوم في أيام الشهرين كما ترى، وهذا لا ينبغي أن يختلف فيه.
وقال في "المغني" :"وليس في هذا اختلاف نعلمه، وأمّا إن كان التي وطئها ليلاً زمن الصوم هي الزوجة المظاهر منها، فقد اختلف في ذلك أهل العلم، فقال بعضهم: ينقطع التتابع بذلك ويلزمه استئناف الشهرين". وبه قال أبو حنيفة، ومحمّد بن الحسن، وهو مذهب مالك، وأحمد في المشهور عنهما".


الصفحة التالية
Icon