﴿مِسْكِيناً﴾، وبذلك يتحقّق أن الإطعام في الآية واقع على نفس العدد الذي هو ستّون، فالاقتصار به على واحد خروج بنصّ القرءان، عن ظاهره المتبادر منه بلا دليل يجب الرجوع إليه، كما ترى. وحمل المسكين في هذه الآية الكريمة على المدّ من أمثلة المالكية والشافعية في أصولهم لما يسمّونه التأويل البعيد والتأويل الفاسد، وقد أشار إلى ذلك صاحب "مراقي السعود"، بقوله:

فجعل مسكين بمعنى المد عليه لائح سمات البعد
الفرع الرابع عشر : في كلام أهل العلم في القدر الذي يعطاه كل مسكين من الطعام، اعلم أن العلماء اختلفوا في ذلك، فمذهب مالك أنه يعطي كل مسكين من البرّ الذي هو القمح مدًّا وثلثي مدّ، وإن كان إطعامه من غير البرّ، كالتمر والشعير، لزمه منه ما يقابل المدّ والثلثين من البرّ. قال خليل المالكي في مختصره في إطعام كفارة الظهار: "لكل مدّ وثلثان برًّا، وإن اقتاتوا تمرًا أو مخرجًا في الفطر فعدله"، انتهى محل الغرض منه.
وقال شارحه المواق ابن يونس: "ينبغي أن يكون الشبع مدّين إلا ثلثًا بمدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهي عيار مدّ هشام، فمن أخرج به أجزأه، قاله مالك. قال ابن القاسم: فإن كان عيش بلدهم تمرًا أو شعيرًا أطعم منه المظاهر عدل مدّ هشام من البرّ"، انتهى محل الغرض منه. ومذهب أبي حنيفة: أنه يعطي كل مسكين نصف صاع من برّ أو صاعًا كاملاً من تمر أو شعير. ومذهب الشافعي: أنه يعطي كل مسكين مدًّا مطلقًا. ومعلوم: أن المدّ النبويّ ربع الصاع، قال في "المغني" :"وقال أبو هريرة: ويطعم مدًّا من أي الأنواع كان، وبهذا قال عطاء والأوزاعي والشافعي"، اهـ. ومذهب أحمد: أنه يعطي كل مسكين مدًّا من برّ أو نصف صاع من تمر أو شعير"، اهـ.
وإذا عرفت مذاهب الأئمّة في هذا الفرع، فاعلم أنّا أردنا هنا أن نذكر كلام ابن قدامة في "المغني" في أدلّتهم وأقوالهم، قال: "وجملة الأمر أن قدر الطعام في الكفّارات كلّها مدّ من برّ لكل مسكين، ونصف صاع من تمر أو شعير، وممن قال مدّ برّ: زيد بن ثابت، وابن عباس، وابن عمر، حكاه عنهم الإمام أحمد، ورواه عنهم الأثرم، وعن عطاء وسليمانبن موسى. وقال سليمانبن يسار: أدركت الناس إذا أعطوا في كفّارة اليمين أعطوا مدًّا من حنطة بالمدّ الأصغر مدّ النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال أبو هريرة: يطعم مدًّا من أي الأنواع كان، وبهذا قال الأوزاعي، وعطاء والشافعي، لما روى أبو داود بإسناده عن عطاء، عن أوس أخي


الصفحة التالية
Icon