فيدخل النساء في الجمع المذكر السالم تغليبًا، فيه قولان: صحّ عن عائشة رضي اللَّه عنها أنها قالت: لا يقال ذلك، وهذا أصحّ الوجهين في مذهب الشافعي رضي اللَّه عنه"، انتهى محل الغرض من كلام ابن كثير.
قال مقيّده -عفا اللَّه عنه وغفر له- : الأظهر عندي في ذلك أنه لا يطلق منه إلا ما ورد النص بإطلاقه؛ لأن الإطلاق المراد به غير الظاهر المتبادر يحتاج إلى دليل صارف إليه، والعلم عند اللَّه تعالى.
﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾. قد قدّمنا إيضاحه وكلام أهل العلم، فيما يتعلق به من الأحكام في آخر "الأنفال"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أنه أخذ من النبيّين ميثاقهم، ثم خصّ منهم بذلك خمسة: هم أولوا العزم من الرسل، وهم محمّد صلى الله عليه وسلم، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى. ولم يبيّن هنا الميثاق الذي أخذه عليهم، ولكنه جلَّ وعلا بيَّن ذلك في غير هذا الموضع؛ فبيّن الميثاق المأخوذ على جميع النبيّين بقوله تعالى في سورة "آل عمران" :﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾. وقد قدّمنا الكلام على هذه الآية في سورة "مريم"، في الكلام على قصة الخضر، وقد بيَّن جلَّ وعلا الميثاق الذي أخذه على خصوص الخمسة الذين هم أُولوا العزم من الرسل في سورة "الشورى"، في قوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾.
وبما ذكرنا تعلم أن آية "آل عمران"، وآية "الشورى"، فيهما بيان لآية "الأحزاب" هذه.


الصفحة التالية
Icon