قوله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾.
لم يبيّن هنا المراد بالفضل الكبير في هذه الآية الكريمة، ولكنه بيّنه في سورة "الشورى"، في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾.
قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن من أنواع البيان التي تضمّنها، أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، وتكون في نفس الآية قرينة تدلّ على عدم صحة ذلك القول، وذكرنا له أمثلة في الترجمة، وأمثلة كثيرة في الكتاب لم تذكر في الترجمة، ومن أمثلته التي ذكرنا في الترجمة هذه الآية الكريمة، فقد قلنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك، ومن أمثلته قول كثير من الناس إن آية "الحجاب"، أعني قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، خاصة بأزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، فإن تعليله تعالى لهذا الحكم الذي هو إيجاب الحجاب بكونه أطهر لقلوب الرجال والنساء من الريبة في قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، قرينة واضحة على إرادة تعميم الحكم، إذ لم يقل أحد من جميع المسلمين إن غير أزواج النبيّ ﷺ لا حاجة إلى أطهرية قلوبهن وقلوب الرجال من الريبة منهنّ، وقد تقرّر في الأصول: أن العلّة قد تعمّم معلولها، وإليه أشار في "مراقي السعود"، بقوله:
وقد تخصّص وقد تعمّم | لأصلها لكنها لا تخرم |
وبما ذكرنا، تعلم أن في هذه الآية الكريمة الدليل الواضح على أن وجوب الحجاب حكم عام في جميع النساء، لا خاص بأزواجه صلى الله عليه وسلم، وإن كان أصل اللفظ خاصًّا بهن؛ لأن عموم علّته دليل على عموم الحكم فيه، ومسلك العلّة الذي دلّ على أن قوله تعالى: ﴿ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾، هو علَّة قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾، هو المسلك المعروف في الأصول بمسلك الإيماء والتنبيه، وضابط هذا المسلك المنطبق على جزئياته، هو أن يقترن وصف بحكم شرعي على وجه لو لم يكن فيه ذلك الوصف علَّة