يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ}، أن الفعل الصناعي عند النحويين ينحل عن مصدر وزمن؛ كما قال ابن مالك في "الخلاصة" :

المصدر اسم ما سوى الزمان من مدلولي الفعل كأمن من أمن
وأنه عند جماعات من البلاغيين ينحل عن مصدر، وزمن ونسبة.
وإذا علمت ذلك، فاعلم أن المصدر والزمن كامنان في مفهوم الفعل إجماعًا، وقد ترجع الإشارات والضمائر تارة إلى المصدر الكامن في مفهوم الفعل، وتارة إلى الزمن الكامن فيه.
فمثال رجوع الإشارة إلى المصدر الكامن فيه، قوله تعالى هنا: ﴿يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ﴾، ثم قال: ﴿ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ﴾، أي: ذلك الإدناء المفهوم من قوله: ﴿يُدْنِينَ﴾.
ومثال رجوع الإشارة للزمن الكامن فيه قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ﴾، فقوله: ﴿ذَلِكَ﴾ يعني زمن النفخ المفهوم من قوله: ﴿وَنُفِخَ﴾، أي: ذلك الزمن يوم الوعيد.
ومن الأدلّة على أن حكم آية الحجاب عام هو ما تقرّر في الأصول، من أن خطاب الواحد يعمّ حكمه جميع الأُمّة، ولا يختص الحكم بذلك الواحد المخاطب، وقد أوضحنا هذه المسألة في سورة "الحجّ"، في مبحث النهي عن لبس المعصفر، وقد قلنا في ذلك؛ لأن خطاب النبيّ ﷺ لواحد من أُمّته يعمّ حكمه جميع الأُمة، لاستوائهم في أحكام التكليف، إلا بدليل خاص يجب الرجوع إليه، وخلاف أهل الأصول في خطاب الواحد، هل هو من صيغ العموم الدالَّة على عموم الحكم؟ خلاف في حال لا خلاف حقيقي، فخطاب الواحد عند الحنابلة صيغة عموم، وعند غيرهم من المالكية والشافعية وغيرهم، أن خطاب الواحد لا يعمّ؛ لأن اللفظ للواحد لا يشمل بالوضع غيره، وإذا كان لا يشمله وضعًا، فلا يكون صيغة عموم. ولكن أهل هذا القول موافقون على أن حكم خطاب الواحد عام لغيره، ولكن بدليل آخر غير خطاب الواحد وذلك الدليل بالنص والقياس.
أمّا القياس فظاهر، لأن قياس غير ذلك المخاطب عليه بجامع استواء المخاطبين في أحكام التكليف من القياس الجلي. والنص كقوله ﷺ في مبايعة النساء: "إني لا أصافح


الصفحة التالية
Icon