حجاب؛ لأن من سألها متاعًا لا من وراء حجاب فقد دخل عليها، والنبيّ ﷺ حذَّره من الدخول عليها، ولما سأله الأنصاري عن الحمو الذي هو قريب الزوج الذي ليس محرمًا لزوجته، كأخيه وابن أخيه وعمّه وابن عمّه ونحو ذلك، قال له صلى الله عليه وسلم: "الحمو الموت"، فسمّى ﷺ دخول قريب الرجل على امرأته وهو غير محرم لها باسم الموت، ولا شك أن تلك العبارة هي أبلغ عبارات التحذير؛ لأن الموت هو أفظع حادث يأتي على الإنسان في الدنيا، كما قال الشاعر:
والموت أعظم حادث... مما يمرّ على الجبله
والجبلة: الخلق، ومنه قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾، فتحذيره ﷺ هذا التحذير البالغ من دخول الرجال على النساء، وتعبيره عن دخول القريب على زوجة قريبه باسم الموت، دليل صحيح نبوي على أن قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ﴾ عام في جميع النساء، كما ترى. إذ لو كان حكمه خاصًّا بأزواجه ﷺ لما حذر الرجال هذا التحذير البالغ العامّ من الدخول على النساء، وظاهر الحديث التحذير من الدخول عليهنّ ولو لم تحصل الخلوة بينهما، وهو كذلك، فالدخول عليهن والخلوة بهن كلاهما محرّم تحريمًا شديدًا بانفراده، كما قدّمنا أن مسلمًا رحمه اللَّه أخرج هذا الحديث في باب تحريم الخلوة بالأجنبية والدخول عليها، فدلّ على أن كليهما حرام. وقال ابن حجر في "فتح الباري"، في شرح الحديث المذكور: "إياكم والدخول"، بالنصب على التحذير، وهو تنبيه المخاطب على محذور ليتحرّز عنه؛ كما قيل: إياك والأسد، وقوله: "إياكم"، مفعول لفعل مضمر تقديره: اتّقوا.
وتقدير الكلام: اتّقوا أنفسكم أن تدخلوا على النساء، والنساء أن يدخلن عليكم. ووقع في رواية ابن وهب، بلفظ: "لا تدخلوا على النساء"، وتضمن منع الدخول منع الخلوة بها بطريق الأولى"، انتهى محل الغرض منه. وقال البخاري رحمه اللَّه في "صحيحه" :"باب: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. وقال أحمد بن شبيب: حدثنا أبي عن يونس، قال ابن شهاب، عن عروة عن عائشة رضي اللَّه عنها، قالت: يرحم اللَّه نساء المهاجرات الأول، لما أنزل اللَّه: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾، شققن مروطهن فاختمرن بها.
حدّثنا أبو نعيم، حدّثنا إبراهيم بن نافع، عن الحسن بن مسلم عن صفيّة بنت شيبة:


الصفحة التالية
Icon