فعلى المحتجّ بحديث جابر المذكور، أن يثبت أنهصلى الله عليه وسلم رآها سافرة، وأقرّها على ذلك، ولا سبيل له إلى إثبات ذلك. وقد روى القصة المذكورة غير جابر، فلم يذكر كشف المرأة المذكورة عن وجهها، وقد ذكر مسلم في "صحيحه"، ممن رواها غير جابر أبا سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، وذكره غيره عن غيرهم. ولم يقل أحد ممن روى القصة غير جابر أنه رأى خدي تلك المرأة السفعاء الخدّين، وبذلك تعلم أنه لا دليل على السفور في حديث جابر المذكور. وقد قال النووي في شرح حديث جابر هذا عند مسلم، وقوله: فقامت امرأة من سطة النساء، هكذا هو في النسخ سطة بكسر السين، وفتح الطاء المخفّفة. وفي بعض النسخ: واسطة النساء. قال القاضي: معناه: من خيارهن، والوسط العدل والخيار، قال: وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغيّر في كتاب مسلم، وأن صوابه من سفلة النساء، وكذا رواه ابن أبي شيبة في مسنده، والنسائي في سننه. في رواية لابن أبي شيبة: امرأة ليست من علية النساء، وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده: سفعاء الخدّين هذا كلام القاضي، وهذا الذي ادّعوه من تغيير الكلمة غير مقبول، بل هي صحيحة، وليس المراد بها من خيار النساء؛ كما فسّره به هو، بل المراد: امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن. قال الجوهري وغيره من أهل اللغة: يقال: وسطت القوم أسطهم وسطًا وسطة، أي: توسطتهم"، اهـ منه. وهذا التفسير الأخير هو الصحيح، فليس في حديث جابر ثناء البتّة على سفعاء الخدّين المذكورة، ويحتمل أن جابرًا ذكر سفعة خدّيها ليشير إلى أنها ليست ممن شأنها الافتتان بها؛ لأن سفعة الخدّين قبح في النساء. قال النووي: سفعاء الخدين، أي: فيها تغيّر وسواد. وقال الجوهري في "صحاحه" : والسفعة في الوجه: سواد في خدّي المرأة الشاحبة، ويقال للحمامة سفعاء لما في عنقها من السفعة، قال حميد بن ثور:
من الورق سفعاء العلاطين باكرت
فروع أشاء مطلع الشمس أسحما
قال مقيّده -عفا اللَّه عنه وغفر له- : السفعة في الخدّين من المعاني المشهورة في كلام العرب: أنها سواد وتغيّر في الوجه، من مرض أو مصيبة أو سفر شديد، ومن ذلك قول متمم بن نويرة التميمي يبكي أخاه مالكا: