وقد قدّمناها بكثرة في سورة "البقرة"، و سورة "النحل"، في الكلام على براهين البعث، وقدّمنا الإحالة على ذلك مرارًا.
وأمّا الثاني منها وهو كونه يكتب ما قدّموا في دار الدنيا، فقد جاء في آيات كثيرة؛ كقوله تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنْسِخُ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً﴾، وقوله تعالى: ﴿وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا﴾، وقوله تعالى: ﴿مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾. وقد قدّمنا بعض الكلام على هذا في سورة "الكهف".
وأمّا الثالث منها وهو كونهم تكتب آثارهم، فقد ذكر في بعض الآيات أيضًا.
واعلم أن قوله: ﴿وَآثَارَهُمْ﴾، فيه وجهان من التفسير معروفان عند العلماء.
الأوّل منهما: أن معنى ﴿مَا قَدَّمُوا﴾ : ما باشروا فعله في حياتهم، وأن معنى ﴿آثَارَهُمْ﴾ : هو ما سنّوه في الإسلام من سنّة حسنة أو سيّئة، فهو من آثارهم التي يعمل بها بعدهم.
الثاني: أن معنى ﴿آثَارَهُمْ﴾ : خطاهم إلى المساجد ونحوها من فعل الخير، وكذلك خطاهم إلى الشر، كما ثبت عنه ﷺ أنّه قال: "يا بني سلمة دياركم تكتب آثاركم"، يعني: خطاكم من بيوتكم إلى مسجده صلى الله عليه وسلم.
أمّا على القول الأوّل: فاللَّه جلَّ وعلا قد نصّ على أنهم يحملون أوزار من أضلّوهم وسنّوا لهم السنن السيّئة؛ كما في قوله تعالى: ﴿لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ﴾.
وقد أوضحنا ذلك في سورة "النحل"، في الكلام على قوله تعالى: {وَمِنْ أَوْزَارِ