الاستفهام في قوله تعالى: ﴿أَأَتَّخِذُ﴾ للإنكار، وهو مضمن معنى النفي، أي: لا أعبد من دون اللَّه معبودات، إن أرادني اللَّه بضرّ لا تقدر على دفعه عني، ولا تقدر أن تنقذني من كرب.
وما تضمّنته هذه الآية الكريمة من عدم فائدة المعبودات من دون اللَّه جاء موضّحًا في آيات من كتاب اللَّه تعالى؛ كقوله تعالى: ﴿قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلا تَحْوِيلاً﴾، وقوله تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ﴾، وقوله تعالى: ﴿َيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ﴾، والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿لا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً﴾، أي: لا شفاعة لهم أصلاً حتى تغني شيئًا، ونحو هذا أسلوب عربي معروف، ومنه قول امرىء القيس:

على لا حبّ لا يهتدي بمناره إذا سافه العود النباطي جرجرا
فقوله: لا يهتدي بمناره، أي: لا منار له أصلاً حتى يهتدي به، وقول الآخر:
لا تفزع الأرنب أهوالها ولا ترى الضبّ بها ينجحر
أي: لا أرنب فيها، حتى تفزعها أهوالها، ولا ضبّ فيها حتى ينجحر، أي: يتّخذ جحرًا.
وهذا المعنى هو المعروف عند المنطقيين، بقولهم: السالبة لا تقتضي وجود الموضوع؛ كما تقدّم إيضاحه. قوله تعالى: ﴿يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon