قوله تعالى: ﴿قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ﴾.
قد قدّمنا الكلام عليه في سورة "الروم"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾.
قوله تعالى: ﴿أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾.
قد قدّمنا الآيات الموضحة له بكثرة في سورة "الكهف"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿لا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً﴾، وأوضحنا فيه التفصيل بين النظم الوضعية، وفي سورة "بني إسرائيل"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ﴾.
قوله: ﴿جِبِلّاً كَثِيراً﴾، أي: خلقًا كثيرًا؛ كقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ﴾، وما تضمّنته هذه الآية الكريمة، من كون الشيطان أضلّ خلقًا كثيرًا من بني ءادم جاء مذكورًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ﴾، أي: قد استكثرتم أيها الشياطين، من إضلال الإنس، وقد قال إبليس: ﴿لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً﴾، وقد بيَّن تعالى أن هذا الظن الذي ظنّه بهم من أنه يضلهم جميعًا إلا القليل صدّقه عليهم؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، كما تقدّم إيضاحه. وقرأ هذا الحرف نافع وعاصم: ﴿جِبِلّاً﴾ بكسر الجيم والباء، وتشديد اللام. وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي: ﴿جُبُلاً﴾، بضم الجيم والباء وتخفيف اللام. وقرأه أبو عمرو وابن عامر: ﴿جُبْلاً﴾، بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام، وجميع القراءات بمعنى واحد، أي: خلقًا كثيرًا.