وممن قال بأن ﴿الصَّافَّاتِ﴾ و ﴿الزَّاجِرَاتِ﴾ و ﴿التَّالِيَاتِ﴾ في أول هذه السورة الكريمة هي جماعات الملائكة: ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة؛ كما قاله القرطبي وابن كثير وغيرهما. وزاد ابن كثير وغيره ممن قال به: مسروقًا والسدي والربيع بن أنس، وقد قدّمنا أنه قول أكثر أهل العلم.
وقال بعض أهل العلم: ﴿الصَّافَّاتِ﴾ في الآية الطير تصفّ أجنحتها في الهواء، واستأنس لذلك بقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾، وقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾.
وقال بعض العلماء: المراد بـ: ﴿الصَّافَّاتِ﴾ جماعات المسلمين يصفون في مساجدهم للصلاة، ويصفون في غزوهم عند لقاء العدوّ؛ كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾.
وقال بعض العلماء أيضًا: المراد بـ: ﴿الزَّاجِرَاتِ زَجْراً﴾، و ﴿مِنْهُ ذِكْراً﴾ : جماعات العلماء العاملين يلقون آيات اللَّه على الناس، ويزجرون عن معاص اللَّه بآياته، ومواعظه التي أنزلها على رسله.
وقال بعضهم: المراد بـ: ﴿الزَّاجِرَاتِ زَجْراً﴾ : جماعات الغزاة يزجرون الخيل لتسرع إلى الأعداء، والقول الأول أظهر وأكثر قائلاً. ووجه توكيده تعالى قوله: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾، بهذه الأقسام، وبأن اللام هو أن الكفار أنكروا كون الإله واحدًا إنكارًا شديدًا وتعجّبوا من ذلك تعجّبًا شديدًا؛ كما قال تعالى عنهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾، ولما قال تعالى: ﴿إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ﴾ أقام الدليل على ذلك بقوله: ﴿رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ الْمَشَارِقِ﴾، فكونه خالق السماواتوالأرض الذي جعل فيها المشارق والمغارب، برهان قاطع على أنه المعبود وحده.
وهذا البرهان القاطع الذي أقامه هنا على أنه هو الإله المعبود وحده، أقامه على ذلك أيضًا في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في سورة "البقرة" :﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾، فقد أقام البرهان على ذلك بقوله بعده متّصلاً به: {إِنَّ