فَلا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَسَاءَلُونَ}.
قوله تعالى: ﴿فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ﴾.
قد قدّمنا الآيات المبيّنة للمراد بالقول الذي حقّ عليهم في سورة "يس"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ﴾، وما ذكره جلَّ وعلا عنهم من أنهم قالوا: إنه لما حقّ عليهم القول، الذي هو: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾، فكانوا غاوين أغووا أتباعهم، لأن متبع الغاوي في غيّه لا بدّ أن يكون غاويًا مثله، ذكره تعالى في غير هذا الموضع؛ كقوله تعالى في سورة "القصص" :﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ رَبَّنَا هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا﴾، والإغواء: الإضلال.
قوله تعالى: ﴿فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾.
ذكر جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة أن الضّالين والمضلين مشتركون في العذاب يوم القيامة، وبيَّن في سورة "الزخرف"، أن ذلك الاشتراك ليس بنافعهم شيئًا؛ وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ﴾، وبيَّن في مواضع أُخر أن الأتباع يسألون اللَّه، أن يعذّب المتبوعين عذابًا مضاعفًا لإضلالهم إياهم؛ كقوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعاً قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيل * رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً﴾.
وقد قدّمنا الكلام على تخاصم أهل النار، وسيأتي إن شاء اللَّه له زيادة إيضاح في سورة "ص"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ﴾.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ * إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ﴾.
بيَّن جلَّ وعلا في هذه الآية الكريمة: أن ذلك العذاب الذي فعله بهؤلاء المعذبين،


الصفحة التالية
Icon