التمكن من الفعل، ومن قال إن الحكمة متردّدة بين الامتثال والابتلاء، لم يشترط من الفعل؛ لأن حكمة الابتلاء تتحقّق مع عدم التمكّن من الفعل، كما لا يخفى. ومن الفروع المبنيّة على هذا الخلاف أن تعلم المرأة بالعادة المطردة أنها تحيض بعد الظهر غدًا من نهار رمضان، ثم حصل لها الحيض بالفعل، فتصبح مفطرة قبل إتيان الحيض، فعلى أن حكمة التكليف الامتثال فقط، فلا كفّارة عليها، ولها أن تفطر؛ لأنها عالمة بأنها لا تتمكّن من الامتثال، وعلى أن الحكمة تارة تكون الامتثال، وتارة تكون الابتلاء، فإنها يجب عليها تبييت الصوم، ولا يجوز لها الإفطار إلاّ بعد مجيء الحيض بالفعل، وإن أفطرت قبله كفَّرت. وكذلك من أفطر لحمى تصيبه غدًا، وقد علم ذلك بالعادة، فهو أيضًا ينبني على الخلاف المذكور.
قوله تعالى: ﴿وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾.
قد قدّمنا الكلام عليه في سورة "البقرة"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ﴾.
قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾.
ذكر جلَّ وعلا منّته عليهما في غير هذا الموضع؛ كقوله فيه "طه" :﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى * وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى﴾ ؛ لأن من سؤله الذي أوتيه إجابة دعوته في رسالة أخيه هارون معه، ومعلوم أن الرسالة من أعظم المنن.
قوله تعالى: ﴿وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾.
قوله: ﴿وَقَوْمَهُمَا﴾، يعني بني إسرائيل.
والمعنى: أنه نجّى موسى وهارون وقومهما من الكرب العظيم، وهو ما كان يسومهم فرعون وقومه من العذاب، كذبح الذكور من أبنائهم وإهانة الإناث، وكيفية إنجائه لهم مبيّنة في انفلاق البحر لهم، حتى خاضوه سالمين، وإغراق فرعون وقومه وهم ينظرون.
وقد قدّمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة "البقرة"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ﴾، وقدّمنا تفسير الكرب العظيم في سورة "الأنبياء"، في الكلام على قوله تعالى في قصّة نوح: ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾.


الصفحة التالية
Icon