في "الكشاف": "التقدير ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾، إنه لمعجز"، وقدره ابن عطية وغيره فقال: " ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ما الأَمر كما يقوله الكفار"، إلى غير ذلك من الأقوال.
قال مقيده -عفا الله عنه وغفر له-: الذي يظهر صوابه بدليل استقراء القرآن: أن جواب القسم محذوف وأن تقديره: ﴿وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ﴾ ما الأمر كما يقوله الكفار، وأن قولهم المقسم على نفيه شامل لثلاثة أشياء متلازمة.
الأول : منها أن النبي ﷺ مرسل من الله حقاً وأن الأمر ليس كما يقال الكفار في قوله تعالى عنهم: ﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً﴾.
والثاني : أن الإله المعبود جل وعلا واحد، وأن الأمر ليس كما يقوله الكفار في قوله تعالى عنهم: ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾.
والثالث : أن الله جل وعلا يبعث من يموت، وأن الأمر ليس كما يقوله الكفار في قوله تعالى عنهم: ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ﴾ وقوله: ﴿زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا﴾ وقوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَأْتِينَا السَّاعَةُ﴾.
أما الدليل من القرآن على أن المقسم عليه محذوف فهو قوله تعالى: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾، لأن الإضراب بقوله ﴿بَلِ﴾، دليل واضح على المقسم عليه المحذوف. أي ما الأمر كما يقوله الذين كفروا، ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ﴾، أي في حمية وأنفة واستكبار عن الحق، ﴿وَشِقَاقٍ﴾، أي مخالفة ومعاندة.
وأما دلالة استقراء القرآن على أن المنفي المحذوف شامل للأمور الثلاثة المذكورة، فلدلالة آيات كثيرة: أما صحة رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الإله المعبود واحداً لا شريك له فقد أشار لهما هنا.
أما كون الرسول مرسلاً حقاً ففي قوله تعالى هنا: ﴿وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَالَ الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ﴾ يعني أي: لا وجه للعجب المذكور. لأن يجيء المنذر الكائن منهم.
لا شك في أنه بإرسال من الله حقاً.