ينزل نفسه منزلة الغالب، القاهر، وإن كان الأمر ليس كذلك، لأن أصل العزة في لغة العرب الغلبة والقهر، ومنه قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾، والعرب يقولون: من عز بز، يعنون من غلب استلب، ومنه قول الخنساء:

كأن لم يكونوا حمى يحتشى إذ الناس إذ ذاك من عز بزا
وقوله تعالى عن الخصم الذين تسوروا على داود: ﴿وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ﴾ أي غلبني، وقهرني في الخصومة.
والدليل من القرآن على أن العزة التي أثبتها الله للكفار في قوله: ﴿بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ﴾. وقوله: ﴿أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ﴾، ليست هي العزة التي يراد بها القهر والغلبة بالفعل، أن الله خص بهذه العزة المؤمنين دون الكافرين والمنافقين، وذلك في قوله تعالى: ﴿يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ﴾.
ولذلك فسرها علماء التفسير، بأنها هي الحمية والاستكبار، عن قبول الحق.
والشقاق: هي المخالفة، والمعاندة كما قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ﴾. قال بعض العلماء: "وأصله من الشق الذي هو الجانب، لأن المخالف المعاند، يكون في الشق أي في الجانب الذي ليس فيه من هو مخالف له ومعاند".
وقال بعض أهل العلم: "أصل الشقاق من المشقة لأن المخالف المعاند يجتهد في إيصال المشقة إلى من هو مخالف معاند".
وقال بعضهم: "أصل الشقاق من شق العصا وهو الخلاف والتفرق".
قوله تعالى: ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنَادَوْا وَلاتَ حِينَ مَنَاصٍ﴾.
﴿كَمْ﴾ هنا هي الخبرية، ومعناها الإخبار عن عدد كثير، وهي في محل نصب، على أنها مفعول به لأهلكنا وصيغة الجمع في أهلكنا للتعظيم، و ﴿مِنْ﴾ في قوله: ﴿مِنْ قَرْنٍ﴾، مميزة لكم، والقرن يطلق على الأمة وعلى بعض من الزمن، أشهر الأقوال فيه أنه مائة سنة، والمعنى: أهلكنا كثيراً من الأمم السالفة من أجل الكفر، وتكذيب الرسل،


الصفحة التالية
Icon