قوله: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا﴾، هو الخطاب بصيغة المفرد، الذي يراد به عموم كل من يصح خطابه. كقول طرفة بن العبد في معلقته:

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ويأتيك بالأخبار من لم تزود
أي: ستبدي لك ويأتيك أيها الإنسان الذي يصح خطابك، وعلى هذا فلا دليل في الآية، غير صحيح، وفي سياق الآيات قرينة قرآنية واضحة دالة على أن المخاطب بذلك هو النبي ﷺ وعليه. فالاستدلال بالآية، استدلال قرآني صحيح، والقرينة القرآنية المذكورة، هي: أنه تعالى قال في تلك الأوامر والنواهي التي خاطب بها رسوله صلى الله عليه وسلم، التي أولها: ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ﴾. ما هو صريح، في أن المخاطب بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، لا عموم كل من يصح منه الخطاب، وذلك في قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً﴾.
قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في آخر سورة الحجر في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾، وفي آخر سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾. في الكلام على قوله: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً﴾.
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾.
الإشارة في قوله ﴿ذَلِكَ﴾ راجعة إلى المصدر الكامن في الفعل الصناعي، ﴿ذَلِكَ﴾ أي: خلقنا السماوات والأرض باطلاً هو ظن الذين كفروا بنا، والنفي في قوله: ﴿َما خَلَقْنَا﴾، منصب على الحال لا على عاملها الذي هو خلقنا، لأن المنفي بأداة النفي التي هي ما: ليس خلقه للسماوات والأرض، بل هو ثابت، وإنما المنفي بها، هو كونه باطلاً، فهي حال شبه العمدة وليست فضلة صريحة، لأن النفي منصب عليها هي خاصة، والكلام لا يصح دونها. والكلام في هذا معلوم في محله، ونفي كون خلقه تعالى للسماوات والأرض باطلاً نزه عنه نفسه ونزهه عنه عباده الصالحون، لأنه لا يليق بكماله وجلاله تعالى.
أما تنزيهه نفسه عنه ففي قوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا


الصفحة التالية
Icon