وقد قدمنا هذا في أول سورة النحل في الكلام على قوله تعالى ﴿أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ﴾.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَنَاجِرِ كَاظِمِينَ﴾ الظاهر فيه، أن ﴿إِذِ﴾، بدل من ﴿يَوْمَ﴾، وعليه فهو من قبيل المفعول به، لا المفعول فيه، كما بينا آنفاً.
و ﴿القُلُوبُ﴾ : جمع قلب وهو معروف.
و ﴿لَدَى﴾ : ظرف بمعنى عند.
و ﴿الحَنَاجِرِ﴾ : جمع حنجرة وهي معروفة.
ومعنى كون القلوب لدى الحناجر، في ذلك الوقت، فيه لعلماء التفسير وجهان معروفان.
أحدهما: ما قاله قتادة وغيره، من أن "قلوبهم يومئذ، ترتفع من أماكنها في الصدور، حتى تلتصق بالحلوق، فتكون لدى الحناجر، فلا هي تخرج من أفواههم فيموتوا، ولا هي ترجع إلى أماكنها في الصدور فيتنفسوا". وهذا القول هو ظاهر القرآن.
والوجه الثاني: هو أن المراد بكون القلوب، لدى الجناجر، بيان شدة الهول، وفظاعة الأمر، وعليه فالآية كقوله تعالى: ﴿وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَدِيداًً﴾، وهو زلزال خوف وفزع لا زلزال حركة الأرض.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿كَاظِمِينَ﴾ معناه مكروبين ممتلئين خوفاً وغماً وحزناً.
والكظم: تردد الخوف والغيظ والحزن في القلب حتى يمتلىء منه، ويضيق به.
والعرب تقول: كظمت السقاء إذا ملأته ماء، وشددته عليه.
وقول بعضهم ﴿كَاظِمِينَ﴾، أي ساكتين، لا ينافي ما ذكرنا، لأن الخوف والغم الذي ملأ قلوبهم يمنعهم من الكلام، فلا يقدرون عليه، ومن إطلاق الكظم على السكوت