ولا اسم فاعل، ولا غير ذلك، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالى، فلا يقال لغيره تبارك خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي، وإسناده ﴿تَبَارَكَ﴾ إلى قوله: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾، يدلّ على أن إنزاله الفرقان على عبده من أعظم البركات والخيرات والنعم التي أنعم بها على خلقه، كما أوضحناه في أول سورة "الكهف"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ﴾، وذكرنا الآيات الدالّة على ذلك، وإطلاق العرب ﴿تَبَارَكَ﴾ مسندًا إلى اللَّه تعالى معروف في كلامهم، ومنه قول الطرماح:

تباركت لا معط لشىء منعته وليس لما أعطيت يا ربّ مانع
وقول الآخر:
لنا أبدًا ما أورق السلم النضر فليست عشيّات الحمى برواجع
ولا عائد ذاك الزمان الذي مضى تباركت ما تقدر يقع ولك الشكر
وقد قدّمنا الشاهد الأخير في سورة "الأنبياء"، في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْه﴾، وقوله: ﴿الْفُرْقَانَ﴾، يعني: هذا القرءان العظيم، وهو مصدر زيدت فيه الألف والنون كالكفران والطغيان والرجحان، وهذا المصدر أُريد به اسم الفاعل؛ لأن معنى كونه فرقانًا أنه فارق بين الحقّ والباطل، وبين الرشد والغي، وقال بعض أهل العلم: المصدر الذي هو ﴿الْفُرْقَانَ﴾ بمعنى اسم المفعول؛ لأنه نزل مفرّقًا، ولم ينزل جملة.
واستدلّ أهل هذا القول بقوله تعالى: ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ﴾، وقوله: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾، وقوله في هذه الآية الكريمة: ﴿نَزَّلَ﴾ بالتضعيف يدلّ على كثرة نزوله أنجمًا منجمًا. قال بعض أهل العلم: "ويدلّ على ذلك قوله في أول سورة "آل عمران" :﴿نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْأِنْجِيلَ﴾ "، قالوا: عبّر في نزول القرءان بـ: ﴿نَزَّلَ﴾ بالتضعيف لكثرة نزوله. وأمّا التوراة والإنجيل، فقد عبّر في نزولهما بـ: ﴿أَنَزلَ﴾ التي لا تدلّ على تكثير؛ لأنهما نزلا جملة في وقت واحد، وبعض الآيات لم يعتبر فيها كثرة نزول القرءان؛


الصفحة التالية
Icon