النعمة، يعني أنعمنا عليك بتربيتنا إياك صغيرًا، وإحساننا إليك تتقلب في نعمتنا فكفرت نعمتنا، وقابلت إحساننا بالإساءة لقتلك نفسًا منّا، وباقي الأقوال تركناه؛ لأن هذا أظهرها عندنا.
وقال بعض أهل العلم: ردّ موسى على فرعون امتنانه عليه بالتربية، بقوله: ﴿وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ﴾، يعني: تعبيدك لقومي، وإهانتك لهم لا يعتبر معه إحسانك إليّ لأني رجل واحد منهم، والعلم عند اللَّه تعالى.
قوله تعالى: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾.
أي: قال موسى مجيبًا لفرعون: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً﴾، أي: إذ فعلتها ﴿وَأَنَا﴾ في ذلك الحين ﴿مِنَ الضَّالِّينَ﴾، أي: قبل أن يوحي اللَّه إليّ، ويبعثني رسولاً، وهذا هو التحقيق إن شاء اللَّه في معنى الآية.
وقول من قال من أهل العلم: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾، أي: من الجاهلين، راجع إلى ما ذكرنا؛ لأنه بالنسبة إلى ما علمه اللَّه من الوحي يعتبر قبله جاهلاً، أي: غير عالم بما أوحى اللَّه إليه.
وقد بيَّنا مرارًا في هذا الكتاب المبارك أن لفظ الضلال يطلق في القرءان، وفي اللغة العربية ثلاثة إطلاقات:
الإطلاق الأوّل : يطلق الضلال مرادًا به الذهاب عن حقيقة الشىء، فتقول العرب في كل من ذهب عن علم حقيقة شىء ضلّ عنه، وهذا الضلال ذهاب عن علم شىء ما، وليس من الضلال في الدين.
ومن هذا المعنى قوله هنا: ﴿وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾، أي: من الذاهبين عن علم حقيقة العلوم، والأسرار التي لا تعلم إلا عن طريق الوحي، لأني في ذلك الوقت لم يوحَ إليّ، ومنه على التحقيق: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالاً فَهَدَى﴾، أي: ذاهبًا عمّا علمك من العلوم التي لا تدرك إلا بالوحي.
ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى﴾، أي: لا يذهب عنه علم شىء كائنًا


الصفحة التالية
Icon