أما قوله تعالى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ فإن دلالته المزعومة على ذلك منفية من أربعة أوجه:
الأول: أن قوله: ﴿مُتَوَفِّيكَ﴾ حقيقة لغوية في أخذ الشيء كاملا غير ناقص، والعرب تقول: توفي فلان دينه يتوفاه فهو متوف له إذا قبضه وحازه إليه كاملا من غير نقص.
فمعنى: ﴿إِنِّي مُتَوَفِّيكَ﴾ في الوضع اللغوي أي حائزك إلي، كاملا بروحك وجسمك.
ولكن الحقيقة العرفية خصصت التوفي المذكور بقبض الروح دون الجسم ونحو هذا مما دار بين الحقيقة اللغوية العرفية فيه لعلماء الأصول ثلاثة مذاهب.
الأول: هو تقديم الحقيقة العرفية، وتخصيص عموم الحقيقة اللغوية بها.
وهذا هو المقرر في أصول الشافعي وأحمد، وهو المقرر في أصول مالك إلا أنهم في الفروع ربما لم يعتمدوه في بعض المسائل.
وإلى تقديم الحقيقة العرفية، على الحقيقة اللغوية أشار في مراقي السعودي بقوله:

واللفظ محمول على الشرعي إن لم يكن فمطلق العرفي
فاللغوي على الجلي ولم يجب بحث عن المجاز في الذي انتخب
المذهب الثاني: هو تقديم الحقيقة اللغوية على العرفية بناء على أن العرفية وإن ترجحت بعرف الاستعمال، فإن اللغوية مترجحة بأصل الوضع.
وهذا القول مذهب أبي حنيفة رحمه الله.
المذهب الثالث: أنه لا تقدم العرفية على اللغوية، ولا اللغوية على العرفية، بل يحكم باستوائهما ومعادلة الاحتمالين فيهما، فيحكم على اللفظ بأنه مجمل، لاحتمال هذه واحتمال تلك.
وهذا اختيار ابن السبكي، ومن وافقه، وإلى هذين المذهبين الأخيرين أشار في مراقي السعود، بقوله:


الصفحة التالية
الموسوعة القرآنية Quranpedia.net - © 2025
Icon
ومذهب النعمان عكس ما مضى والقول بالإجمال فيه مرتضى