قد قدمنا الكلام على هذه الآية الكريمة، ونحوها من الآيات الدالة على أن العمل سبب لدخول الجنة كقوله تعالى: ﴿وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ٤٣]، وقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً﴾ [مريم: ٦٣]، وقوله تعالى: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [السجدة: ١٧].
وبينا أقرب أوجه الجمع بين هذه الآيات الكريمة وما بمعناها، مع وقوله صلى الله عليه وسلم: "لن يدخل أحدكم عمله الجنة" قالوا: ولا أنت يا رسول الله قال: "ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل".
وذكرنا في ذلك أن العمل الذي بينت الآيات كونه سبب دخول الجنة هو العمل الذي تقبله الله برحمة منه وفضل، وأن العمل الذي لا يدخل الجنة هو الذي لم يتقبله الله.
والله يقول: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ [المائدة: ٢٧].
قوله تعالى: ﴿ونادوا وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾.
اللام في قوله: ﴿لِيَقْضِ﴾ لام الدعاء.
والظاهر أن المعنى، أن مرادهم بذلك سؤال مالك خازن النار، أن يدعو الله لهم بالموت، والدليل على ذلك أمران:
الأول: أنهم لو أرادوا دعاء الله بأنفسهم أن يميتهم لما نادوا يا مالك، ولما خاطبوه في قولهم: ﴿رَبُّكَ﴾.
والثاني: أن الله بين في سورة المؤمن أن أهل النار، يطلبون خزنة النار، أن يدعو الله لهم ليخفف عنهم العذاب، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ﴾ [غافر: ٤٩]، وقوله: ﴿لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ﴾ أي ليمتنا فنستريح بالموت من العذاب.
ونظيره قوله تعالى: ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ [القصص: ١٥]، أي أماته.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ دليل على أنهم لا يجابون