تنبيه:
اعلم أن ما قاله ابن جرير وغير واحد من أن القول بأن ﴿إِنْ﴾ نافية يلزمه إيهام المحذور الذي لا يجوز في حق الله.
قالوا: لأنه إن كان المعنى ما كان لله ولد فإنه لا يدل على نفي الولد، إلا في الماضي، فللكفار أن يقولوا إذا صدقت لم يكن له في الماضي ولد. ولكن الولد طرأ عليه، بعد ذلك لما صاهر الجن، وولدت له بناته التي هي الملائكة.
وإن هذا المحذور يمنع من الحمل على النفي لا شك في عدم صحته لدلالة الآيات القرآنية بكثرة على أن هذا الإيهام لا أثر له ولو كان له أثر لما كان الله يمدح نفسه بالثناء عليه بلفظة كان الدالة على خصوص الزمن الماضي في نحو قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً﴾ [النساء: ١٥٨]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء: ١٧]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً﴾ [النساء: ٩٦]، ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً﴾ [الأحزاب: ٢٧]، ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ [النساء: ٣٤]، إلى غير ذلك من الآيات التي يصعب حصرها.
فإن معنى كل تلك الآيات أنه كان ولم يزل.
فلو كان الكفار يقولون ذلك الذي زعموه الذي هو قولهم: صدقت ما كان له ولد في الماضي ولكنه طرأ له لقالوا مثله في الآيات التي ذكرنا.
كأن يقولوا ﴿كَانَ عَلِيماً حَكِيماً﴾ [النساء: ١١]، في الماضي ولكنه طرأ عليه عدم ذلك وهكذا في جميع الآيات المذكورة ونحوها.
وأيضا فإن المحذور الذي زعموه لم يمنع من إطلاق نفي الكون الماضي في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً﴾ [مريم: ٦٤]، وقوله ﴿وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً﴾ [الكهف: ٥١]، وقوله: ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ [القصص: ٥٩]، والآيات بمثل ذلك كثيرة.
ومن أوضحها في محل النزاع قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ﴾ الآية [المؤمنون: ٩١].
ولم يمنع من نفي القرآن للولد في الزمن الماضي في قوله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ