يا أخت خير البدو والحضاره كيف ترين في فتى فزاره
أصبح يهوى حرة معطاره إياك أعني واسمعي يا جاره
وقد بسطنا القصة هناك، وبينا أن قول من قال: إن الخطاب في قوله تعالى: ﴿إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا﴾، لكل من يصح خطابه من أمته، ﷺ لا له هو نفسه، باطل بدليل قوله تعالى بعده في سياق الآيات: ﴿ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ﴾ [الإسراء: ٣٩].
والحاصل أن آية: ﴿فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ﴾ [يونس: ٩٤]، لا ينقص بها الضابط الذي ذكرنا لأنها كقوله: ﴿لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ﴾ [الإسراء: ٢٢]، ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ﴾ [الزمر: ٦٥]، ﴿فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ [البقرة: ١٤٧]، ﴿وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ﴾ [الأحزاب: ١]، ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ [الإنسان: ٢٤]، إلى غير ذلك من الآيات.
ومعلوم أنه هو صلى الله عليه وسلم، لا يفعل شيئا من ذلك البتة، ولكنه يؤمر وينهي ليشرع لأمته على لسانه.
وبذلك تعلم اطراد الضابط الذي ذكرنا في لفظة ﴿لَوْ﴾، ولفظة ﴿إِنْ﴾، وأنه لا ينتقض بهذه الآية.
هذا ما ظهر لنا في هذه الآية الكريمة، ولا شك أنه لا محذور فيه ولا غرر ولا إيهام، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾.
قد قدمنا معنى لفظة ﴿سُبْحَانَ﴾، وما تدل عليه من تنزيه الله عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله وإعراب لفظة ﴿سُبْحَانَ﴾ مع بعض الشواهد العربية في أول سورة بني إسرائيل.
وقوله تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ﴾ الآية نزه نفسه تنزيها تاما عما يصفونه به من نسبة الولد إليه مبينا أن رب السماوات والأرض، ورب العرش، جدير بالتنزيه عن الولد، وعن كل ما لا يليق بكماله وجلاله.


الصفحة التالية
Icon