كونه ﴿أَمْراً مِنْ عِنْدِنَا﴾، وهذا الوجه جيد ظاهر، وإنما ساغ إتيان الحال من النكرة وهي متأخرة عنها لأن النكرة التي هي أمر وصفت بقوله: ﴿حَكِيمٍ﴾ كما لا يخفي.
وقال بعضهم: ﴿أَمْراً﴾ مفعول به لقوله: ﴿مُنْذِرِينَ﴾ وقيل غير ذلك.
واختار الزمخشري: أنه منصوب بالاختصاص، فقال: جعل كل أمر جزلا فخما بأن وصفه بالحكيم ثم زاده جزالة وأكسبه فخامة، بأن قال: أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا، كائنا من لدنا، وكما اقتضاه علمنا وتدبيرنا وهذا الوجه أيضا ممكن، والعلم عند الله تعالى.
قوله تعالى: ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ، رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في سورة الكهف، في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا﴾ [الكهف: ٦٥]، وفي سورة فاطر في الكلام على قوله تعالى: ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا﴾ [فاطر: ٢].
قوله تعالى: ﴿ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ﴾.
هذا الذي ادعوه على النبي ﷺ افتراء، من أنه معلم، يعنون أن هذا القرآن علمه إياه بشر، وأنه ﷺ مجنون، قد بينا الآيات الموضحة لإبطاله.
أما دعواهم أنه معلم فقد قدمنا الآيات الدالة على تلك الدعوى في سورة النحل، في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ [النحل: ١٠٣]، وفي سورة الفرقان في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ﴾ [الفرقان: ٤]، إلى قوله: ﴿فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً﴾ [الفرقان: ٥].
وبينا الآيات الموضحة لافترائهم وتعنتهم في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ﴾ [النحل: ١٠٣].
وفي الفرقان في الكلام على قوله تعالى: ﴿فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً، وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا﴾ [الفرقان: ٤-٥].
وأما دعواهم أنه مجنون، فقد قدمنا الآيات الموضحة لها ولإبطالها في سورة قد


الصفحة التالية
Icon