واعلم أن إطلاقه تعالى الرزق على الماء، في آية الجاثية هذه، قد أوضحنا وجهه في سورة المؤمن في الكلام على قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقاً﴾ [غافر: ١٣].
وأما السادس منها: وهو تصريف الرياح المذكور في قوله: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ﴾ فقد جاء موضحا أيضا في آيات من كتاب الله كقوله في البقرة: ﴿وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: ١٦٤]، وقوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ﴾ [الروم: ٤٦]، وقوله تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ [الحجر: ٢٢]، إلى غير ذلك من الآيات.
تنبيه:
اعلم أن هذه البراهين العظيمة المذكورة، في أول سورة الجاثية، هذه ثلاثة منها، من براهين البعث، التي يكثر في القرآن العظيم، الاستدلال بها على البعث، كثرة مستفيضة.
وقد أوضحناها في مواضع من هذا الكتاب المبارك في سورة البقرة وسورة النحل وغيرهما، وأحلنا عليها مرارا كثيرة في هذا الكتاب المبارك وسنعيد طرفا منها هنا لأهميتها إن شاء الله تعالى.
والأول من البراهين المذكورة هو خلق السماوات والأرض المذكور هنا في سورة الجاثية هذه: ﴿إِنَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ لأن خلقه جل وعلا للسماوات والأرض، من أعظم البراهين على بعث الناس بعد الموت لأن من خلق الأعظم الأكبر، لا شك في قدرته على خلق الأضعف الأصغر.
والآيات الدالة على هذا كثيرة كقوله تعالى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ﴾ [غافر: ٥٧]، أي ومن قدر على خلق الأكبر فلا شك أنه قادر على خلق الأصغر، وقوله تعالى: ﴿أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ﴾ [يس: ٨١]، وقوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأحقاف: ٣٣]، وقوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ