التحقيق إن شاء الله، أن معنى الآية الكريمة، ما أدري ما يفعل بي ولا بكم في دار الدنيا، فما أدري أأخرج من مسقط رأسي أو أقتل كما فعل ببعض الأنبياء.
وما أدري ما ينالني من الحوادث والأمور في تحمل أعباء الرسالة.
وما أدري ما يفعل بكم أيخسف بكم، أو تنزل عليكم حجارة من السماء، ونحو ذلك.
وهذا هو اختيار ابن جرير وغير واحد من المحققين.
وهذا المعنى في هذه الآية دلت عليه آيات من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾ [الأعراف: ١٨٨]، وقوله تعالى آمرا له ﷺ :﴿قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ [الأنعام: ٥٠].
وبهذا تعلم أن ما يروى عن ابن عباس وأنس وغيرهما من أن المراد، ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾ أي في الآخرة فهو خلاف التحقيق، كما سترى إيضاحه إن شاء الله.
فقد روي عن ابن عباس وأنس وقتادة والضحاك وعكرمة والحسن في أحد قوليه أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ﴾ فرح المشركون واليهود والمنافقون، وقالوا: كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به ولا بنا وأنه لا فضل له علينا، ولولا أنه ابتدع الذي يقوله، من عند نفسه، لأخبره الذي بعثه بما يفعل به.
فنزلت ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾ [الفتح: ٢]، فنسخت هذه الآية.
وقالت الصحابة: هنيئا لك يا رسول الله، لقد بين لك الله ما يفعل بك فليت شعرنا هو ما فاعل بنا.
فنزلت ﴿لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [الفتح: ٥]، ونزلت: ﴿وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلاً كَبِيراً﴾ [الأحزاب: ٤٧].
فالظاهر أن هذا كله خلاف التحقيق، وأن النبي ﷺ لا يجهل مصيره يوم القيامة لعصمته صلوات الله وسلامه عليه وقد قال له الله تعالى: ﴿وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى﴾ [الضحى: ٤-٥]، وأن قوله: {وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي


الصفحة التالية
Icon