عليه، لأنه خلاف الظاهر، ولا دليل عليه يجب الرجوع إليه.
وظاهر الآية جار على الأسلوب العربي الفصيح، كما أوضحه أبو حيان في البحر المحيط.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ قرأه ابن كثير وابن عامر: "أَأَذْهَبْتُمْ" بهمزتين وهما على أصولهما في ذلك.
فابن كثير يسهل الثانية بدون ألف إدخال بين الهمزتين.
وهشام يحققها ويسهلها مع ألف الإدخال. وابن ذكوان يحققها من غير إدخال.
وقرأه نافع وأبو عمرو وعاصم وحمزة والكسائي: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ﴾ بهمزة واحدة على الخبر من غير استفهام.
واعلم أن للعلماء كلاما كثيرا في هذه الآية قائلين إنها تدل على أنه ينبغي التقشف والإقلال من التمتع بالماكل والمشارب والملابس ونحو ذلك.
وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يفعل ذلك خوفا منه، أن يدخل في عموم من يقال لهم يوم القيامة: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا﴾ والمفسرون يذكرون هنا آثارا كثيرة في ذلك، وأحوال أهل الصفة وما لاقوه من شدة العيش.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: التحقيق إن شاء الله في معنى هذه الآية هو أنها في الكفار وليست في المؤمنين الذين يتمتعون باللذات التي أباحها الله لهم، لأنه تعالى ما أباحها لهم ليذهب بها حسناتهم.
وإنما قلنا: إن هذا هو التحقيق، لأن الكتاب والسنة الصحيحة دالان عليه والله تعالى يقول: ﴿وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [النساء: ٥٩].
أما كون الآية في الكفار فقد صرح الله تعالى به في قوله: ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ﴾.
والقرآن والسنة الصحيحة، قد دلا على أن الكافر إن عمل عملا صالحا مطابقا للشرع، مخلصا فيه لله، كالكافر الذي يبر والديه، ويصل الرحم ويقري الضيف، وينفس عن المكروب، ويعين المظلوم يبتغي بذلك وجه الله يثاب بعمله في دار الدنيا خاصة بالرزق


الصفحة التالية
Icon