﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾ [الفرقان: ٢٣]، وهذا هو الصواب في معنى الآية.
وقيل: ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أبطل كيدهم، الذي أرادوا أن يكيدوا به النبي ﷺ.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ أي غفر لهم ذنوبهم وتجاوز لهم عن أعمالهم السيئة ﴿وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ أي أصلح لهم شأنهم وحالهم إصلاحا لا فساد معه، وما ذكره جل وعلا هنا في أول هذه السورة الكريمة، من أن يبطل أعمال الكافرين، ويبقي أعمال المؤمنين جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ، أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخرةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [هود: ١٥-١٦]. وقوله تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخرةِ مِنْ نَصِيبٍ﴾ [الشورى: ٢٠] وقوله تعالى: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً، أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾ [الفرقان: ٢٣-٢٤].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا مع بعض الأحاديث الصحيحة فيه، مع زيادة إيضاح مهمة في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ [الإسراء: ١٩]. وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ﴾ [النحل: ٩٧]، وذكرنا طرفا منه في سورة الأحقاف في الكلام على قوله تعالى: ﴿أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا﴾ [الأحقاف: ٢٠].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾ أصله من الضلال بمعنى الغيبة، والاضمحلال. لا من الضالة كما زعمه الزمخشري فهو كقوله: ﴿وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ [الأنعام: ٢٤].
وقد قدمنا معاني الضلال في القرآن واللغة، في سورة الشعراء في الكلام على قوله: ﴿قَالَ فَعَلْتُهَا إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ﴾ [الشعراء: ٢٠]، وفي آخر الكهف، في الكلام


الصفحة التالية
Icon