قد قدمنا الآيات الموضحة له، في سورة الزخرف، في الكلام على قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ﴾ [الزخرف: ٦٦].
قوله تعالى: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾.
التحقيق إن شاء الله تعالى، في معنى هذه الآية الكريمة، أن الكفار يوم القيامة، إذا جاءتهم الساعة، يتذكرون ويؤمنون بالله ورسله، وأن الإيمان في ذلك الوقت لا ينفعهم لفوات وقته فقوله: ﴿ذِكْرَاهُمْ﴾ مبتدأ خبره ﴿فَأَنَّى لَهُمْ﴾ أي كيف تنفعهم ذكراهم وإيمانهم بالله، وقد فات الوقت الذي يقبل فيه الإيمان.
والضمير المرفوع في ﴿جَاءَتْهُمْ﴾ عائد إلى الساعة التي هي القيامة.
وهذا المعنى، الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، من أن الكفار يوم القيامة يؤمنون، ولا ينفعهم إيمانهم جاء موضحا في آيات كثيرة كقوله تعالى: ﴿وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾ [سبأ: ٥٢]، وقوله تعالى: ﴿وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى﴾ [الفجر: ٢٣].
وقد قدمنا الآيات الموضحة لهذا في سورة الأعراف في الكلام على قوله تعالى: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ﴾ إلى قوله: ﴿أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ [الأعراف: ٥٣].
فظهر أن قوله: ﴿فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ﴾ على حذف مضاف، أي أني لهم نفع ذكراهم.
والذكرى اسم مصدر بمعنى الاتعاظ الحامل على الإيمان.
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ﴾.
ذكر جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه إذا أنزل ﴿ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ﴾، أي متقنة الألفاظ والمعاني، واضحة الدلالة، لا نسخ فيها وذكر فيها وجوب قتال الكفار، تسبب عن ذلك، كون ﴿الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ﴾ أي شك ونفاق، ﴿يَنْظُرُونَ﴾ كنظر الإنسان الذي يغشى عليه لأنه في سياق الموت، لأن نظر من كان كذلك تدور فيه عينه ويزيغ بصره.


الصفحة التالية
Icon