فيما فيه مجال للاجتهاد، والأمور المنصوصة في نصوص صحيحة، من الكتاب والسنة، لا يجوز الاجتهاد فيها لأحد، حتى تشترط فيها شروط الاجتهاد، بل ليس فيها إلا الاتباع، وبذلك تعلم أنما ذكره صاحب مراقي السعود تبعا للقرافي من قوله:

من لم يكن مجتهدا فالعمل منه بمعنى النص مما يحظل
لا يصح على إطلاقه بحال لمعارضته لآيات وأحاديث كثيرة من غير استناد إلى دليل.
ومن المعلوم، أنه لا يصح تخصيص عمومات الكتاب والسنة، إلا بدليل يجب الرجوع إليه.
ومن المعلوم أيضا، أن عمومات الآيات والأحاديث، الدالة على حث جميع الناس، على العمل بكتاب الله، وسنة رسوله، أكثر من أن تحصى، كقوله صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله وسنتي" وقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي" الحديث، ونحو ذلك مما لا يحصى.
فتخصيص جميع تلك النصوص، بخصوص المجتهدين وتحريم الانتفاع بهدي الكتاب والسنة على غيرهم، تحريما باتا يحتاج إلى دليل من كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يصح تخصيص تلك النصوص بآراء جماعات من المتأخرين المقرين على أنفسهم بأنهم من المقلدين.
ومعلوم أن المقلد الصرف، لا يجوز عده من العلماء ولا من ورثة الأنبياء، كما سترى إيضاحه إن شاء الله. وقال صاحب مراقي السعود، في نشر البنود، في شرحه لبيته المذكور
ـــــــ
لا مستند للمؤلف فيما قله، ولقد خلط بين مفهوم العمل واتباع القرءان والسنة وبين الاجتهاد. فهو يريد أن يكون كل أحد من الأمة مجتهد! وهذا أمر غريب، فكيف لكل إنسان أن يعمل فكره ونظره في القرءان ويجتهد ثم يتعبد كما يحلو له؟ ومن أين لكل فرد من الأمة أوائل الاجتهاد. ولقد عدّ المجتهدين من الصحابة بعدد أصابع اليد. والصحابة كانوا بالآلاف. فرب رجل يقرء في كتاب حديث موضوع فيعمل به وهو لا يميز، أو يعمل بحديث فيه علة خفية لا يعرفها إلا الحافظ وهو غير مدرك، أو يطبق مانسخ من القرءان حكمه وبقي رسمه. وكل هذا بحجة القرءاة والتدبير..! وياريته ذكر لنا تلك الآيات ولأحاديث الكثيرة. وهل أقوال المجتهدين ومذاهبهم إلاّ تطبيقا للعمل بالآيات ولأحاديث.


الصفحة التالية
Icon