فادعاء كثير من المتأخرين، أنه يجب ترك العمل به، حتى يبحث عن المخصص، والمقيد مثلا خلاف التحقيق.
الوجه الثاني: أن غير المجتهد إذا تعلم آيات القرآن، أو بعض أحاديث النبي ﷺ ليعمل بها، تعلم ذلك النص العام، أو المطلق، وتعلم معه، مخصصه ومقيده إن كان مخصصا أو مقيدا، وتعلم ناسخه إن كان منسوخا وتعلم ذلك سهل جدا، بسؤال العلماء العارفين به، ومراجعة كتب التفسير والحديث المعتد بها في ذلك، والصحابة كانوا في العصر الأول يتعلم أحدهم آية فيعمل بها، وحديثا فيعمل به، ولا يمتنع من العمل بذلك حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، وربما عمل الإنسان بما علم فعلمه ما لم يكن يعلم، كما يشير له قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ﴾ [البقرة: ٢٨٢]، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً﴾ [الأنفال: ٢٩]، على القول بأن الفرقان هو العلم النافع الذي يفرق به بين الحق والباطل.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ﴾ [الحديد: ٢٨].
وهذه التقوى، التي دلت الآيات، على أن الله يعلم صاحبها، بسببها ما لم يكن يعلم، لا تزيد على عمله بما علم، من أمر الله وعليه فهي عمل ببعض ما علم زاده الله به علم ما لم يكن يعلم.
فالقول بمنع العمل بما علم من الكتاب والسنة، حتى يحصل رتبة الاجتهاد المطلق، هو عين السعي في حرمان جميع المسلمين، من الانتفاع بنور القرآن، حتى يحصلوا شرطا مفقودا، في اعتقاد القائلين بذلك، وادعاء مثل هذا على الله وعلى كتابه وعلى سنة رسوله هو كما ترى.
ـــــــ
(١) هذه دعوى وتشجيع للتجرؤ على كتاب الله وسنة رسولة صل الله علية وسلم بالتفسير والتأويل والشرح على حسب الهوى. ولعمري ماذا يقول في حديث عن رسول الله صلى الله علية وسلم :" نضر الله امرءاً سمع مقالتي فوعاها، فرب حامل فقه لا فقه له " وفي رواية للترمذي :" فرب مبلغ أوعى من سامع" فإنها يفعمنا أن من الناس من حظه الرواية فقط. وليس عنده مقدرة على فهم ما يتضمنه الحديث من المعاني.


الصفحة التالية
Icon