وقد قال قبل هذا: قيل سبب نزولها أن وفد نجران قالوا للنبي ﷺ ألست تقول: إن عيسى روح الله وكلمته؟ فقال: "نعم"، فقالوا حسبنا، أي كفانا ذلك في كونه ابن الله. فنزلت الآية.
فاتضح أن الصاوي يعتقد أن ادعاء نصارى نجران أن ظاهر قوله تعالى: ﴿وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ [النساء: ١٧١]، هو أن عيسى ابن الله ادعاء صحيح، وبني على ذلك أن العلماء قالوا إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر.
وهذا كله من أشنع الباطل وأعظمه، فالآية لا يفهم من ظاهرها البتة، بوجه من الوجوه، ولا بدلالة من الدلالات، أن عيسى ابن الله، وادعاء نصارى نجران ذلك كذب بحت.
فقول الصاوي كنصارى نجران، ومن حذا حذوهم ممن أخذ بظواهر القرآن صريح في أنه يعتقد أن ما ادعاه وفد نجران من كون عيسى ابن الله هو ظاهر القرآن اعتقاد باطل باطل باطل، حاشا القرآن العظيم من أن يكون هذا الكفر البواح ظاهره، بل هو لا يدل عليه البتة فضلا عن أن يكون ظاهره وقوله: ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ﴾ كقوله تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ﴾ [الجاثية: ١٣]، أي كل ذلك من عيسى ومن تسخير السماوات والأرض مبدؤه ومنشؤه جل وعلا.
فلفظة ﴿مِنْ﴾ في الآيتين لابتداء الغاية، وذلك هو ظاهر القرآن وهو الحق خلافا لما زعمه الصاوي وحكاه عن نصارى نجران.
وقد اتضح بما ذكرنا أن الذين يقولون: إن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر لا يعلمون ما هي الظواهر وأنهم يعتقدون شيئا ظاهر النص، والواقع أن النص لا يدل عليه بحال من الأحوال فضلا عن أن يكون ظاهره.
فبنوا باطلا على باطل، ولا شك أن الباطل لا يبني عليه إلا الباطل.
ولو تصوروا معاني ظواهر الكتاب والسنة على حقيقتها لمنعهم ذلك، من أن يقولوا ما قالوا.
فتصور الصاوي، أن ظاهر الآية الكهف المتقدمة، هو حل الأيمان، بالتعليق بالمشيئة


الصفحة التالية
Icon