وعلى كل حال، فإن المؤول، زعم أن الاستواء يوهم غير اللائق بالله لاستلزامه مشابهة استواء الخلق، وجاء بدله بالاستيلاء، لأنه هو اللائق به في زعمه، ولم ينتبه، لأن تشبيه استيلاء الله على عرشه باستيلاء بشر بن مروان على العراق هو أفظع أنواع التشبيه، وليس بلائق قطعا، إلا أنه يقول: إن الاستيلاء المزعوم منزه، عن مشابهة استيلاء الخلق، مع أنه ضرب له المثل باستيلاء بشر على العراق والله يقول: ﴿فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل: ٧٤].
ونحن نقول: أيها المؤول هذا التأويل، نحن نسألك إذا علمت أنه لا بد من تنزيه أحد اللفظين أعني لفظ ﴿اسْتَوَى﴾ الذي أنزل الله به الملك على النبي ﷺ قرآنا يتلى، كل حرف منه عشر حسنات ومن أنكر أنه من كتاب الله كفر.
ولفظة استولى التي جاء بها قوم من تلقاء أنفسهم من غير استناد إلى نص من كتاب الله ولا سنة رسوله ولا قول أحد من السلف.
فأي الكلمتين أحق بالتنزيه في رأيك. الأحق بالتنزيه كلمة القرآن، المنزلة من الله على رسوله، أم كلمتكم التي جئتم بها، من تلقاء أنفسكم، من غير مستند أصلا؟
ونحن لا يخفي علينا الجواب الصحيح، عن هذا السؤال إن كنت لا تعرفه.
واعلم أنما ذكرنا من أن ما وصف الله به نفسه من الصفات، فهو موصوف به حقيقة لا مجازا، على الوجه اللائق بكماله وجلاله.
وأنه لا فرق البتة بين صفة يشتق منها وصف، كالسمع والبصر والحياة.
وبين صفة لا يشتق منها كالوجه واليد.
وأن تأويل الصفات كتأويل الاستواء بالاستيلاء لا يجوز ولا يصح.
هو معتقد أبي الحسن الأشعري رحمه الله.
وهو معتقد عامة السلف، وهو الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه.
فمن ادعى على أبي الحسن الأشعري، أنه يؤول صفة من الصفات، كالوجه واليد والاستواء، ونحو ذلك فقد افترى عليه افتراء عظيما.


الصفحة التالية
Icon