وإذا كان يراد بها التعظيم، لا التعدد علم بذلك أنها لا تصح بها معارضة قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، لأنها دلت على صفة اليدين، والجمع في قوله: ﴿أَيْدِينَا﴾ لمجرد التعظيم.
وما كان كذلك لا يدل على التعدد فيطلب الدليل من غيره، فإن دل على أن المراد بالتعظيم واحد حكم بذلك، كالآيات المتقدمة.
وإن دل على معنى آخر حكم به.
فقوله مثلا: ﴿وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ قام فيه البرهان القطعي أنه حافظ واحد، وكذلك قوله: ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾، ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾، ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ فإنه قد قام في كل ذلك البرهان القطعي على أنه خالق واحد، ومنزل واحد، ومنشيء واحد.
وأما قوله: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ فقد دل البرهان القطعي، على أن الله موصوف بصفة اليدين كما صرح به في قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ كما تقدم إيضاحه قريبا.
وقد علمت أن صيغة الجمع في قوله: ﴿لَحَافِظُونَ﴾، وقوله: ﴿أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُونَ﴾ وقوله: ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ﴾ وقوله: ﴿أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ﴾ وقوله: ﴿خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ لا يراد بشيء منه معنى الجمع، وإنما يراد به التعظيم فقط.
وقد أجاب أبو الحسن الأشعري رحمه الله في كتاب الإبانة بما يقرب من هذا في المعنى.
واعلم أن لفظ اليدين، قد يستعمل في اللغة العربية استعمالا خاصا، بلفظ خاص لا تقصد به في ذلك النعمة ولا الجارحة ولا القدرة، وإنما يراد به معنى أمام.
واللفظ المختص بهذا المعنى هو لفظة اليدين التي أضيفت إليها لفظة بين خاصة، أعني لفظة بين يديه، فإن المراد بهذه اللفظة أمامه. وهو استعمال عربي معروف مشهور في لغة العرب لا يقصد فيه معنى الجارحة ولا النعمة ولا القدرة، ولا أي صفة كائنة ما كانت.


الصفحة التالية
Icon