وقد أشار تعالى في سورة الفرقان أن وصف الله بالاستواء صادر عن خبير بالله، وبصفاته عالم بما يليق به، وبما لا يليق وذلك في قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾ [الفرقان: ٥٩].
فتأمل قوله: ﴿فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً﴾، بعد قوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ﴾، تعلم أن من وصف الرحمن بالاستواء على العرش خبير بالرحمن وبصفاته لا يخفي عليه اللائق من الصفات وغير اللائق.
فالذي نبأنا بأنه استوى على عرشه هو العليم الخبير الذي هو الرحمن.
وقد قال تعالى: ﴿وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ [فاطر: ١٤].
وبذلك تعلم أن من يدعي أن الاستواء يستلزم التشبيه، وأنه غير لائق غير خبير، نعم والله هو غير خبير.
وسنذكر هنا إن شاء الله أن أئمة المتكلمين المشهورين رجعوا كلهم عن تأويل الصفات.
أما كبيرهم الذي هو أفضل المتكلمين المنتسبين إلى أبي الحسن الأشعري، وهو القاضي محمد بن الطيب المعروف بأبي بكر الباقلاني، فإنه كان يؤمن بالصفات على مذهب السلف ويمنع تأويلها منعا باتا، ويقول فيها بمثل ما قدمنا عن الأشعري.
وسنذكر لك هنا بعض كلامه.
قال الباقلاني المذكور في كتاب التمهيد ما نصه:

باب في أن لله وجها ويدين، فإن قال قائل. فما الحجة في أن لله عز وجل وجها ويدين؟ قيل له قوله:


﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْأِكْرَامِ﴾ [الرحمن: ٢٧].
وقوله: ﴿مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ [صّ: ٧٥]، فأثبت لنفسه وجها ويدين.
فإن قالوا: فما أنكرتم أن يكون المعنى في قوله: ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ أنه خلقه بقدرته أو بنعمته، لأن اليد في اللغة قد تكون بمعنى النعمة، وبمعنى القدرة، كما يقال: لي عند فلان يد بيضاء، يراد به نعمة.


الصفحة التالية
Icon