فإن قال قائل: فما أنكرتم أن يكون وجهه ويده جارحة؟ إذ كنتم لم تعقلوا يد صفة ووجه صفة لا جارحة. يقال له: لا يجب ذلك كما لا يجب إذا لم نعقل حيا عالما قادرا إلا جسما أن نقضي نحن وأنتم على الله تعالى بذلك.
وكما لا يجب متى كان قائما بذاته أن يكون جوهرا أو جسما، لأنا وإياكم لم نجد قائما بنفسه في شاهدنا إلا كذلك، اهـ. محل الغرض منه بلفظه.
وهو صريح في أنه يرى أن صفة الوجه وصفة اليد وصفة العلم والحياة والقدرة كلها من صفات المعاني ولا وجه للفرق بينها وجميع صفات الله مخالفة لجميع صفات خلقه.
وقال الباقلاني أيضا في كتاب التمهيد ما نصه:
فإن قالوا: فهل تقولون: إنه في كل مكان؟ قيل: معاذ الله بل هو مستو على العرش كما أخبر في كتابه، فقال: ﴿الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ وقال تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ [فاطر: ١٠] وقال: ﴿أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ﴾ [الملك: ١٦].
ولو كان في كل مكان، لكان في جوف الإنسان، وفمه وفي الحشوش والمواضع التي يرغب عن ذكرها، تعالى عن ذلك، ولوجب أن يزيد بزيادة الأماكن إذ خلق منها ما لم يكن خلقه، وينقص بنقصانها إذا بطل منها ما كان.
ولصح أن يرغب إليه إلى نحو الأرض وإلى وراء ظهورنا وعن أيماننا وشمائلنا.
وهذا ما قد أجمع المسلمون على خلافه وتخطئة قائله، إلى أن قال رحمه الله: ولا يجوز أن يكون معنى استوائه على العرش هو استيلاؤه عليه كما قال الشاعر:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودم مهراق
لأن الاستيلاء هو القدرة والقهر، والله تعالى لم يزل قادرا قاهرا عزيزا مقتدرا.
وقوله: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ يقتضي استفتاح هذا الوصف بعد أن لم يكن، فيبطل ما قالوه.


الصفحة التالية
Icon