وبعض العلماء يقول: إن تقليد العامي المذكور للعالم وعمله بفتياه من الاتباع لا من التقليد.
والصواب: أن ذلك تقليد مشروع مجمع على مشروعيته.
وأما ما ليس من التقليد بجائز لا خلاف؟ فهو تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاده، مجتهدا آخر يرى خلاف ما ظهر له هو، للإجماع على أن المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده لا يجوز له أن يقلد غيره المخالف لرأيه.
وأما نوع التقليد الذي خالف فيه المتأخرون، الصحابة وغيرهم من القرون المشهود لهم بالخير، فهو تقليد رجل واحد معين دون غيره، من جميع العلماء.
فإن هذا النوع من التقليد، لم يرد به نص من كتاب ولا سنة، ولم يقل به أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من القرون الثلاثة المشهود لهم بالخير.
وهو مخالف لأقوال الأئمة الأربعة رحمهم الله، فلم يقل أحد منهم بالجمود على قول رجل واحد معين دون غيره، من جميع علماء المسلمين.
فتقليد العالم المعين من بدع القرن الرابع، ومن يدعي خلاف ذلك، فليعين لنا رجلا واحدا من القرون الثلاثة الأول، التزم مذهب رجل واحد معين ولن يستطيع ذلك أبدا، لأنه لم يقع البتة.
وسنذكر هنا إن شاء الله جملا من كلام أهل العلم في فساد هذا النوع من التقليد وحجج القائلين به، ومناقشتها. وبعد إيضاح ذلك كله نبين ما يظهر لنا بالدليل أنه هو الحق والصواب إن شاء الله.
قال الإمام أبو عمر بن عبد البر رحمه الله، في كتابه جامع بيان العلم وفضله وما ينبغي في روايته وحمله، ما نصه:
باب فساد التقليد ونفيه والفرق بين التقليد والاتباع: قد ذم الله تبارك وتعالى التقليد في غير موضع من كتابه، فقال: ﴿اتخذوااتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٣١].


الصفحة التالية
Icon