أن النذير من أقام الحجة، فمن لم يأت بحجة فليس بنذير.
فما لا شك فيه أن هذا الإنذار المذكور في قوله: ﴿لِيُنْذِرُوا﴾، والتحذير من مخالفته في قوله: ﴿لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾ ليس برأي ولا اجتهاد.
وإنما هو إنذار بالوحي ممن تفقه في الدين، وصار ينذر بما علمه من الدين، كما يدل عليه قوله تعالى قبله: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ﴾ [التوبة: ١٢٢]، فهو يدل على أن قوله: ﴿وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ﴾ أي بما تفقهوا فيه من الدين.
وليس التفقه في الدين إلا علم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فتبين أن الآية لا دليل فيها البتة لطائفة التقليد، الذين يوجبون تقليد إمام بعينه، من غير أن يرد من أقواله شيء، ولا يؤخذ من أقوال غيره شيء.
ونجعل أقواله عيارا لكتاب الله وسنة رسوله فما وافق أقواله منهما قبل وما لم يوافقها منهما رد.
وهذا النوع من التقليد لا شك في بطلانه، وعدم جوازه.
فالآية الكريمة بعيدة كل البعد من الدلالة عليه، مع أن استدلال المقلدين بها على تقليدهم استدلال بشيء يعتقدون أن الاستدلال به ممنوع باتا، لأنه استدلال بقرآن.
وأما قبول إنذارهم فهو من الاتباع لا من التقليد، كما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.
وأما استدلالهم بأن ابن الزبير، قال ما يدل على تقليده لأبي بكر الصديق رضي الله عنه في أن الجد يحجب الإخوة، فهو ظاهر السقوط أيضا.
وقد قدمنا مرارا في رد استدلالهم بتقليد الصحابة بعضهم بعضا ما يكفي، فأغنى عن إعادته هنا.
وأما استدلالهم بقبول شهادة الشاهد في الحقوق. قائلين: إن قبول شهادته فيما شهد به تقليد له، فهو ظاهر السقوط لظهور الفرق بينه وبين ما استدلوا عليه به. من تقليد رجل واحد بعينه، بحيث لا يترك من أقواله شيء ولا يؤخذ مما خالفها شيء، ولو كان كتابا أو سنة.


الصفحة التالية
Icon