وقوله تعالى: ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ [الأنعام: ١٠٦].
وقوله تعالى: ﴿قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ﴾ [الأحقاف: ٩]، والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
فالعمل بالوحي، هو الاتباع كما دلت عليه الآيات.
ومن المعلوم الذي لا شك فيه، أن اتباع الوحي المامور به في الآيات لا يصح اجتهاد يخالفه من الوجوه، ولا يجوز التقليد في شيء يخالفه.
فاتضح من هذا الفرق بين الاتباع والتقليد، وأن مواضع الاتباع ليست محلا أصلا للاجتهاد ولا للتقليد، فنصوص الوحي الصحيحة الواضحة الدلالة السالمة من المعارض لا اجتهاد ولا تقليد معها البتة، لأن اتباعها والإذعان لها فرض على كل أحد كائنا من كان كما لا يخفي.
وبهذا تعلم أن شروط المجتهد التي يشترطها الأصوليون إنما تشترط في الاجتهاد، وموضع الاتباع ليس محل اجتهاد.
فجعل شروط المجتهد في المتبع مع تباين الاجتهاد والاتباع وتباين مواضعهما خلط وخبط، كما ترى.
والتحقيق أن اتباع الوحي لا يشترط فيه إلا علمه بما يعمل به من ذلك الوحي الذي يتبعه، وأنه يصح علم حديث والعمل به، وعلم آية والعمل بها.
ولا يتوقف ذلك على تحصيل جميع شروط الاجتهاد، فيلزم المكلف أن يتعلم ما يحتاج إليه من الكتاب والسنة، ويعمل بكل ما علم من ذلك، كما كان عليه أول هذه الأمة، من القرون المشهود لها بالخير.
التنبيه الخامس:
اعلم أنه لا يخفي علينا أن المقلدين التقليد الأعمى المذكور، يقولون:
هذا الذي تدعوننا إليه وتأمروننا به من العمل بالكتاب والسنة، وتقديمهما على آراء


الصفحة التالية
Icon