فإلحاق يوم المولد بيوم العيد إلحاق لا أساس له، لأنه إلحاق ليس بجامع بينهما ولا نفي فارق ولا إلحاق البتة إلا بجامع أو نفي فارق.
وكل من لم يطمس الله بصيرته يعلم أن الحق الذي لا شك فيه هو اتباع النبي ﷺ وأصحابه.
ومعلوم أن جعل يوم المولد كيوم العيد في منع الصوم لم يقله رسول الله ﷺ ولا أصحابه ولا أحد من الأئمة الأربعة، فهو تشريع لاستقباح قربة الصوم ومنعها في يوم المولد من غير استناد إلى وحي ولا قياس صحيح ولا قول أحد ممن يقتدى به.
ومما لا نزاع فيه أن النبي ﷺ أرسله الله رحمة للعالمين كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]، ورسالته ﷺ هي أعظم نعمة على الخلق كما بينه علماء التفسير في الكلام على قوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللَّهِ كُفْراً﴾ [إبراهيم: ٢٨]، والخير كل الخير في اتباعه صلوات الله وسلامه عليه، والشر كل الشر في تشريع ما لم يشرعه والتقول عليه بما لم يقله.
فالمقلدون لمالك مثل هذا التقليد الأعمى يعتقدون أن هذا الكلام الذي ذكره الحطاب عن زروق وابن عباد وابن عاشر، أنه هو مذهب مالك وأنه من شرع الله ودينه، وأنه ما دام من مذهب مالك، فاللازم تقديمه على الكتاب والسنة لأنهما لا يجوز العمل إلا للمجتهد المطلق.
وهذا مثال من بلايا التقليد الأعمى وعظائمه.
ولا يخفي أن ادعاء أن وجود نعم الله كمولد النبي ﷺ يدل على استقباح طاعة الله بالصوم في أوقات وجود تلك النعم ظاهر الفساد، لأن المناسب لنعم الله هو طاعته بأنواع الطاعات كالصوم.
ولذا تجد الناس ينذرون لله صوم اليوم الذي ينعم الله عليهم فيه بشفاء المريض أو إتيان الغائب، وهذا أمر معروف وهو المعقول لا عكسه.
ومما يوضح هذا أن إنزال القرآن العظيم هو أعظم نعمة على البشر؛ ولأجل ذلك علمهم الله حمده تعالى على هذه النعمة العظمى في أول سورة الكهف في قوله تعالى:


الصفحة التالية
Icon