لِلناسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما} [النساء: ١٦٣-١٦٥].
وقوله تعالى: ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ ذكر جل وعلا فيه الثناء على نفسه، باسمه العزيز واسمه الحكيم بعد ذكره إنزاله وحيه على أنبيائه، كما قال في آية النساء المذكورة ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيما﴾ [النساء: ١٦٥]، بعد ذكره إيحاءه إلى رسله.
وقد قدمنا في أول سورة الزمر أن استقراء القرآن. قد دل على أن الله جل وعلا إذا ذكر تنزيله لكتابه أتبع ذلك بعض أسمائه الحسنى وصفاته العليا، وذكرنا كثيرا من أمثلة ذلك.
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير ابن كثير ﴿يُوحِي﴾ بكسر الحاء بالبناء للفاعل، وعلى قراءة الجمهور هذه فقوله: الله العزيز الحكيم فاعل يوحي.
وقرأه ابن كثير: "يُوحَى إِلَيْكَ" بفتح الحاء بالبناء للمفعول، وعلى هذه القراءة، فقوله: ﴿اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ اعل فعل محذوف تقديره يوحى كما قدمنا إيضاحه في سورة النور في الكلام على قوله تعالى: ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ﴾ [النور: ٣٦-٣٧].
وقد قدمنا معاني الوحي مع الشواهد العربية في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨] وغير ذلك من المواضع.
قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾.
وصف نفسه جل وعلا في هذه الآية الكريمة، بالعلو والعظمة، وهما من الصفات الجامعة كما قدمناه في سورة الأعراف، في الكلام على قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾ [الأعراف: ٥٤].
وما تضمنته هذه الآية الكريمة، من وصفه تعالى نفسه بهاتين الصفتين الجامعتين المتضمنتين لكل كمال وجلال، جاء مثله في آيات أخر كقوله تعالى: ﴿وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ﴾ [البقرة: ٢٥٥]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً﴾ [النساء: ٣٤]، وقوله تعالى: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ﴾ [الرعد: ٩]، وقوله تعالى: ﴿وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّماوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ [الجاثية: ٣٧]، إلى غير ذلك من الآيات.