وقوله: ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾ لأن من أطاع من كره ما نزل الله فقد كره رضوان الله.
لأن رضوانه تعالى ليس إلا في العمل بما نزل، فاستلزمت كراهة ما نزل، كراهة رضوانه لأن رضوانه فيما نزل، ومن أطاع كارهه، فهو ككارهه.
وقوله: ﴿فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي أبطلها، لأن الكفر سيئة لا تنفع معها حسنة. وقد أوضحنا المقام في ذلك إيضاحا تاما في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخرةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾ [الإسراء: ١٩].
وفي سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ [النحل: ٩٧].
واعلم أن هذه الآية الكريمة، قد قال بعض العلماء: إنها نزلت في المنافقين.
وقال بعضهم: إنها نزلت في اليهود، وأن المنافقين أو اليهود قالوا للكفار الذين: ﴿ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾، وهو عداوة النبي ﷺ والتعويق عن الجهاد ونحو ذلك.
وبعضهم يقول: إن الذين ﴿اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ﴾، هم اليهود حين كفروا بالنبي ﷺ لما عرفوه ﴿وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ﴾، وهو الإيمان به صلى الله عليه وسلم.
والتحقيق الذي لا شك فيه أن هذه الآيات عامة في كل ما يتناوله لفظها، وأن كل ما فيها من الوعيد عام لمن أطاع من كره ما نزل الله.
مسألة:
اعلم أن كل مسلم، يجب عليه في هذا الزمان، تأمل هذه الآيات، من سورة محمد وتدبرها، والحذر التام مما تضمنته من الوعيد الشديد؛ لأن كثيرا ممن ينتسبون للمسلمين داخلون بلا شك فيما تضمنته من الوعيد الشديد.
لأن عامة الكفار من شرقيين وغربيين كارهون لما نزل الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو هذا القرآن وما يبينه به النبي ﷺ من السنن.


الصفحة التالية
Icon