وقوله تعالى: ﴿مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ [آل عمران: ١٧٩].
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾.
وقد قدمنا إزالة الإشكال في نحوه في سورة البقرة في الكلام على قوله تعالى: ﴿وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ [البقرة: ١٤٣].
فقلنا في ذلك ما نصه: ظاهر هذه الآية قد يتوهم منه الجاهل أنه تعالى يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه سبحانه وتعالى، عن ذلك علوا كبيرا، بل هو تعالى عالم بكل ما سيكون قبل أن يكون.
وقد بين أنه لا يستفيد بالاختبار علما لم يكن يعلمه بقوله جل وعلا: ﴿وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران: ١٥٤].
فقوله: ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بعد قوله: ﴿لِيَبْتَلِيَ﴾، دليل قاطع على أنه لم يستفد بالاختبار شيئا لم يكن عالما به سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا، لأن العليم بذات الصدور غني عن الاختبار.
وفي هذه الآية بيان عظيم لجميع الآيات التي يذكر الله فيها اختباره لخلقه.
ومعنى ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ أي علما يترتب عليه الثواب والعقاب فلا ينافي أنه كان عالما به قبل ذلك، وفائدة الاختبار ظهور الأمر للناس، أما عالم السر والنجوى، فهو عالم بكل ما سيكون، كما لا يخفي. اهـ.
قال القرطبي في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه: وهذا العلم هو العلم الذي يقع عليه به الجزاء لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم، فتأويله: ﴿ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ﴾ علم شهادة، لأنهم إذا أمروا بالعمل يشهد منهم ما عملوا فالجزاء بالثواب والعقاب يقع على علم الشهادة، ﴿وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ﴾ نختبرها ونظهرها. انتهى محل الغرض منه.
وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في تفسير هذه الآية الكريمة ما نصه:


الصفحة التالية
Icon