وقال بعضهم: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ أي كل سماء تتفطر فوق التي تليها.
وقال الزمخشري في الكشاف: فإن قلت لم قال: ﴿مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ قلت: لأن أعظم الآيات وأدلها على الجلال والعظمة فوق السماوات، وهي العرش والكرسي، وصفوف الملائكة، المرتجة بالتسبيح والتقديس حول العرش، وما لا يعلم كنهه إلا الله تعالى من آثار ملكوته العظمى، فلذلك قال: ﴿يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ﴾ أي يبتدىء الانفطار من جهتهن الفوقانية.
أو لأن كلمة الكفر جاءت من الذي تحت السموات، فكان القياس أن يقال: يتفطرن من تحتهن من الجهة التي جاءت منها الكلمة، ولكنه بولغ في ذلك فجعلت مؤثرة في وجهة الفوق. كأنه قيل: يكدن يتفطرن من الجهة التي فوقهن، دع الجهة التي تحتهن.
ونظيره في المبالغة قوله عز وجل: ﴿يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ﴾ [الحج: ١٩-٢٠]، فجعل الحميم مؤثرا في أجزائهم الباطنة اهـ. محل الغرض منه.
وهذا إنما يتمشى على القول بأن سبب التفطر المذكور هو افتراؤهم على الله في قولهم ﴿اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً﴾ [مريم: ٨٨].
وقد قدمنا آنفا أنه دلت عليه آية مريم المذكورة وعليه فمناسبة قوله: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ﴾ لما قبله أن الكفار وإن قالوا أعظم الكفر وأشنعه، فإن الملائكة بخلافهم فإنهم يداومون ذكر الله وطاعته.
ويوضح ذلك قوله تعالى: ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ﴾ [فصلت: ٣٨]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْما لَيْسُوا بِها بِكَافِرِينَ﴾ [الأنعام: ٨٩]، كما قدمنا إيضاحه في آخر سورة فصلت.
قوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾.
أكد جل وعلا في هذه الآية الكريمة، أنه هو الغفور الرحيم، وبين فيها أنه هو وحده المختص بذلك.