وصرح تعالى في موضع آخر بالنهي عن قبول شهادة الفاسق، وذلك في قوله: ﴿وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٤] ولا خلاف بين العلماء في رد شهادة الفاسق وعدم قبول خبره.
وقد دلت هذه الآية من سورة الحجرات على أمرين:
الأول منهما: أن الفاسق إن جاء بنبإ ممكن معرفة حقيقته، وهل ما قاله فيه الفاسق حق أو كذب فإنه يجب فيه التثبت.
والثاني: هو ما استدل عليه بها أهل الأصول من قبول خبر العدل لأن قوله تعالى: ﴿إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ بدل بدليل خطابه، أعني مفهوم مخالفته أن الجائي بنبإ إن كان غير فاسق بل عدلا لا يلزم التبين في نبئه على قراءة: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾، ولا التثبت على قراءة: "فَتَثَبَّتُوا"، وهو كذلك.
وأما شهادة الفاسق فهي مردودة كما دلت عليه آية النور المذكورة آنفا.
وقد قدمنا معنى الفسق وأنواعه في مواضع متعددة من هذا الكتاب المبارك.
وقوله: ﴿أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً﴾ أي لئلا تصيبوا قوما، أو كراهة أن تصيبوا قوما ﴿بِجَهَالَةٍ﴾، أي لظنكم النبأ الذي جاء به الفاسق حقا ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ﴾ من إصابتكم للقوم المذكورين نادمين لظهور كذب الفاسق فيما أنبأ به عنهم، لأنهم لو لم يتبينوا في نبإ الوليد عن بني المصطلق لعاملوهم معاملة المرتدين؟ ولو فعلوا ذلك لندموا.
وقرأ هذا الحرف عامة السبعة غير حمزة والكسائي: ﴿فَتَبَيَّنُوا﴾ بالباء التحتية الموحدة بعدها مثناة تحتية مشددة ثم نون. وقرأه حمزه والكسائي: "فَتَثَبَّتُوا" بالثاء المثلثة بعدها باء تحتية موحدة مشددة ثم تاء مثناة فوقية.
والأول من التبين، والثاني من التثبت.
ومعنى القراءتين واحد، وهو الأمر بالتأني وعدم العجلة حتى تظهر الحقيقة فيما أنبأ به الفاسق.