هنا، وتعريفه وإضافته في أول سورة الحج في الكلام على قوله تعالى: ﴿ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً﴾ [الحج: ٥]، والمقسم عليه بهذه الأقسام هو قوله: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ، وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ﴾ [الذريات: ٥-٦]، والموجب لهذا التوكيد هو شدة إنكار الكفار للبعث والجزاء.
وقوله: ﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ﴾، ﴿مَا﴾، فيه موصولة والعائد إلى الصلة محذوف، والوصف بمعنى المصدر أي إن الذي توعدونه من الجزاء والحساب لصدق لا كذب فيه.
وقال بعض العلماء: ﴿مَا﴾، مصدرية، أي إن الوعد بالبعث والجزاء والحساب لصادق.
وقال بعضهم: إن صيغة اسم الفاعل في ﴿لَصَادِقٌ﴾ بمعنى اسم المفعول. أي إن الوعد أو الموعود به لمصدوق فيه لا مكذوب به، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ﴾ [الحاقة: ٢١] أي مرضية.
وما تضمنته هذه الآية الكريمة من صدق ما يوعدونه جاء في آيات كثيرة كقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ٩]، وقوله: ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لَآتٍ﴾ [الأنعام: ١٣٤]، وقوله تعالى: ﴿لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ﴾ [الواقعة: ٢] والآيات بمثل ذلك كثيرة معلومة.
والمراد بالدين هنا الجزاء، أي وإن الجزاء يوم القيامة لواقع لا محالة كما قال تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ [النور: ٢٥] أي جزاءهم بالعدل والإنصاف، وكقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى، ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى﴾ [النجم: ٤٠-٤١].
وقد نزه الله نفسه عن كونه خلق الخلق لا لبعث وجزاء، وبين أن ذلك ظن الكفار، وهددهم على ذلك الظن السيىء بالويل من النار، قال تعالى منكرا على من ظن عدم البعث والجزاء، ومنزها نفسه عن أنه خلقهم عبثا لا لبعث وجزاء: ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ﴾ [المؤمنون: ١١٥-١١٦]، وقال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ﴾ [صّ: ٢٧]، في قوله في آية في ص هذه: باطلا أي عبثا لا لبعث وجزاء.
قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ، إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ﴾.


الصفحة التالية
Icon