ومعنى هذه الآية أن دين الكفار، الذي هو الشرك بالله وعبادة الأوثان، مع حرصهم على صد الناس عن دين الإسلام إليه ما هم ﴿بِفَاتِنِينَ﴾، أي ليسوا بمضلين عليه أحدا لظهور فساده وبطلانه ﴿إِلَّا مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ﴾، أي إلا من قدر الله عليه الشقاوة وأنه من أهل النار في سابق علمه، هذا هو الظاهر لنا في معنى هذه الآية الكريمة.
وأكثر المفسرين على أن الضمير في قوله: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ﴾ راجع إلى النبي ﷺ أو القرآن، أي يصرف عن الإيمان بالنبي أو القرآن ﴿مَنْ أُفِكَ﴾ أي صرف عن الحق، وحرم الهدي لشدة ظهور الحق في صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن منزل من الله، وهذا خلاف ظاهر السياق كما ترى.
وقول من قال: ﴿يُؤْفَكُ عَنْهُ﴾، أي يصرف عن القول المختلف الباطل ﴿مَنْ أُفِكَ﴾، أي من صرف عن الباطل إلى الحق لا يخفي بعده وسقوطه.
والذين قالوا: هذا القول يزعمون أن الإفك يطلق على الصرف عن الحق إلى الباطل، وعن الباطل إلى الحق، ويبعد هذا أن القرآن لم يرد فيه الإفك مراد به إلا الصرف عن الخير إلى الشر دون عكسه.
قوله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ﴾.
لا يخفي على من عنده علم بأصول الفقه أن هذه الآية الكريمة فيها الدلالة المعروفة عند أهل الأصول بدلالة الإيماء والتنبيه على أن سبب نيل هذه الجنات والعيون هو تقوى الله والسبب الشرعي هو العلة الشرعية على الأصح، وكون التقوى سبب دخول الجنات الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة، جاء موضحا في آيات أخر من كتاب الله كقوله تعالى: ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً﴾ [مريم: ٦٣] وقد قدمنا الآيات الموضحة لذلك في سورة النحل في الكلام على قوله تعالى: ﴿لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ﴾ [النحل: ٣١].
قوله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾.
قد قدمنا الآيات الموضحة له في أول سورة الجاثية.
قوله تعالى: ﴿وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ﴾.