وعلى هذا القول، فمعنى هوى النجوم سقوطها إذا غربت أو انتثارها يوم القيامة. وقيل: النجم النبات الذي لا ساق له. وقال بعض أهل العلم: المراد بالنجم الجملة النازلة من القرآن، فإنه نزل على النبي ﷺ أنجما منجما في ثلاث وعشرين سنة، وكل جملة منه وقت نزولها يصدق عليها اسم النجم صدقا عربيا صحيحا كما يطلق على ما حان وقته من الدية المنجمة على العاقلة، والكتابة المنجمة على العبد المكاتب.
وعلى هذا فقوله: ﴿إِذَا هَوَى﴾، أي نزل به الملك من السماء إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: ﴿هَوَى﴾ يهوي هويا إذا اخترق الهوى نازلا من أعلى إلى أسفل.
اعلم أولا أن القول بأنه الثريا وأن المراد بالنجم خصوصها، وإن اختاره ابن جرير وروي عن ابن عباس وغير واحد، ليس بوجيه عندي.
والأظهر أن النجم يراد به النجوم. وإن قال ابن جرير بأنه لا يصح، والدليل على ذلك جمعه تعالى للنجوم في القسم في قوله تعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة: ٧٥]، لأن الظاهر أن المراد بالنجم ﴿إِذَا هَوَى﴾ هنا، كالمراد ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ في الواقعة.
وقد اختلف العلماء أيضا في المراد ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾ فقال بعضهم: هي مساقطها إذا غابت. وقال بعضهم: انتثارها يوم القيامة. وقال بعضهم: منازلها في السماء، لأن النازل في محل واقع فيه. وقال بعضهم: هي مواقع نجوم القرآن النازل بها الملك إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: أظهر الأقوال عندي وأقربها للصواب في نظري، أن المراد بالنجم إذا هوى هنا في هذه السورة، وبمواقع النجوم في الواقعة هو نجوم القرآن التي نزل بها الملك نجما فنجما، وذلك لأمرين:
أحدهما أن هذا الذي أقسم الله عليه بالنجم ﴿إِذَا هَوَى﴾ الذي هو أن النبي ﷺ على حق وأنه ما ضل وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى موافق في المعنى لما أقسم عليه ﴿بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾، وهو قوله: ﴿إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ﴾ إلى قوله: ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الواقعة: ٧٧-٨٠].